اقليم تهامة ـ ابو عبدالاله
في مناطق سيطرة الحوثيين، لا يُطلب من المواطن أن يكون واعيا، ولا حتى مطلعا، بل المطلوب منه أن يكون شيئا بين الحائط والصدى، يسمع فيطيع، ويُضرب فيصمت، ويُسأل فيجيب بكلمة السر: “مدري”..!
“مدري” لم تعد كلمة، بل تحولت إلى تصريح مرور آمن عبر حقول الألغام الإعلامية، وفتوى جاهزة تنجيك من المعتقل، ودرع لغوي يحميك من “عيون الرصد” و”آذان الاشتباه” ، أما من سولت له نفسه أن “يدري”، فهو مشروع ملف أمني، أو ضيف عزيز في غياهب السجون..
إنها سياسة اللا-معرفة القسرية، حيث تصير الجهالة فضيلة، والصمت عقيدة، و”التطنيش” ثقافة وطنية تدرس في مدارس الجماعة، جنبا إلى جنب مع “مزايا الإمامة” و”آداب المولد”..
فلا تسأل عن القصف الأمريكي، ولا عن الطائرات التي ملأت السماء زئيرا، ولا عن الخسائر، فذلك خروج عن النص المقدس – نص “المدري”، الذي لا يحتمل التأويل، ولا يقبل التفصيل..
إنه التعميم الذي لا يُقرأ، بل يُبتلع كحبة دواء مُرة، كتبها طبيب ديكتاتوري لا يرى في الشعب إلا قطيعا من المرضى المزمنين بحاجة إلى تخدير دائم..
فهل رأيتم من قبل جماعة تخشى الحقيقة حد أنها تحظر عليك أن “تعرف”..!؟
هكذا تدار البلاد، من فوق أسنّة البنادق، ومن تحت عباءة “الجهل الوقائي”، في مشهد عبثي كأنما كتبه كاتب ساخر سكران، ثم نسي أن يضحك..!
ففي جمهورية “مدري” العظمى، أنت في أمان ما دمت لا تعلم، ولا تفكر، ولا تتساءل – فقط ارفع حاجبيك بتعجب، وقل لهم بكل بلاغة الممكن: “مدري..!”…