احمد عبدالملك المقرمي
تتسلق القردة قمم الجبال ؛ لكن هل تتحول بذلك التسلق إلى قمم أو رموز ؟ كلا !
قد تسير الدواب على شوامخ الجبال ؛ لكن ، هل يكسبها ذلك شيئا من الشموخ ؟ أبدا !
قد ينكر أعمى ضوء الشمس ؛ لكن ، هل يصدق أصحاب البصر و البصيرة هذا الإنكار ؟ على الإطلاق !
يمكن لأي قزم أن يتطاول على أي عملاق من العمالقة ، فهل تطاول قصير الهامة أن يحول العملاق إلى قزم ؟ هيهات هيهات !
في حالة واحدة فقط يمكن أن يصبح العملاق قزما ، و هي في حالة سماح العملاق لنفسه أن يرد على تطاول القزم، و ينزل إلى مستواه ، و يرضى بإهدار وقته في ملاسنة الصغار و قصار القامة .
يستهلك الصغار و الأقزام جهودهم لتسويق أنفسهم كعجوز أدركها الشيب و الخرف معا ، فهي تمضي وقتها تلهث عبثا خلف أدوات التجميل ، فلا مالا تبقي ، و لا جمالا تستعيد :
تدس إلى العطار حلية أهلها
و هل يصلح العطار ما أفسد الدهر !؟
و إن شئت قلت أن مثل هؤلاء الصغار أو الأقزام مثل تاجر أفلس بالكلية ، فعاد إلى دفاتره القديمة يريد أن يستعيد مركزه المالي الذاهب ، فلم يجد غير أن يعود إلى دفاتره الغابرة ليدعي – و بلا دليل -بديون كاذبة على هذا أو الافتراء على أولئك !
ما من شك أن تسلق القردة على قمم الجبال لا يضيرها، و أن سير الدواب في أنحائها لا ينقص من قدرها ، بل إنها توفر لمختلف الدواب الكلأ و المرعى .
و أما أعمى البصر فمعذور إذا شك أو حتى أنكر ضوء الشمس ، و لكن المحزن و المؤسف معا هو ذلك المتعامي ، و الأتعس أعمى البصيرة ؛ لأن عماهته تصل به إلى حد ( المكارحة) في أن الليل أقوى ضياء من النهار ، و أن القاع أعلا شموخا من الجبل ، و هذا الأتعس لا ينطبق عليه :
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
و ينكر الفم طعم الماء من سقم !
و الأكثر عماهة و عمى من هذا هم أولئك الذين يرون أن أفضل أدوات التجميل لهم هو التشهير و التجريح بالآخرين و الانتقاص من قاماتهم و انجازاتهم ، يسوقون ذواتهم ليرضوا هؤلاء أو أولئك برخص ، و فوق ذلك يجعلون من أنفسهم أوصياء يمنحون بموجبها الوطنية لأشخاص و يحجبونها عن آخرين ، بل و يشككون و ينتقصون من عمالقة و أبطال و يتمادون إلى حد التخوين :
كناطح صخرة يوما ليوهنها
فلم يضرها و أوهى قرنه الوعل
إن الغرور آفة، و الإعجاب بالنفس غباء ، و التطاول على الأبطال و العمالقة سفاهة !!