اقليم تهامة ـ د. مصلح الاحمدي
إلى الأبطال الأشاوس
إلى جميع المرابطين في الجبهات والمواقع في عموم وطننا الحبيب؛ دفاعاً عن عقيدة الشعب وهُويته، وحريته وكرامته، ومكاسبه الوطنية.. إلى الضباط والصف والجنود
تحية تقدير وإجلال وإكبار..
وبعد:
أعرف جيداً ـ ويعرف الجميع ـ أن ثمة فرقاً كبيراً بين قضاء أيام العيد وفرحته في المواقع والثغور وبين قضائها في المنازل والديار بين الأهل والأحباب. في المواقع والمتارس؛ تفترشون الأرض وتلتحفون السماء، تسهرون طويلاً وتتعبون كثيراً، وقد يتأخر عليكم الأكل ويقل الماء وينعدم الدواء؛ وأنتم أمام هذه الظروف الصعبة وتحسنها سيان؛ وهذا حال من يأخذ استراحة محارب في المؤخرة أو تحت شجرة أو جوار صخرة؛ بعيداً عن الأهل والأولاد والأحباب، أما المرابط القابض على الزناد؛ فحاله شيء آخر: فهو شديد اليقظة والملاحظة والرصد، أنفاسه معدودة وبصره حديد؛ مقبل بكافة حواسه تلقاء هدفه لا يلوي على شيء؛ ولسان حاله: (وعجلت إليك رب لترضى)، كل ذلك حتى لا يؤتى الوطن من قبله.
هذه التضحيات العظيمة والرباط الطويل والصمود منقطع النظير؛ خير دليل على أنكم من ذوي الهمم العالية؛ فقد قيل (إذا علت الهمة سهلت المهمة)، وعلى صحوة ضمائركم وصدق ولائكم وحبكم الخالص للشعب والوطن.
أيها الأبطال العظماء: لقد تجاوزتم بجهادكم العظيم وثباتكم الأسطوري كل العُبّاد والزهاد والنساك و(الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَار)، كيف لا وقد استنكر المولى سبحانه موقف أولئك الذين حاولوا تسوية سقاية الحجيج وعمارة البيت العتيق بالجهاد في سبيل الله: (َأجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). وجاء في الحديث الشريف: (حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يُقام ليلها ويُصام نهارها). وها هو المجاهد عبد الله بن المبارك يرسل من أرض المعركة إلى الزاهد العابد في المسجد الحرام الفضيل بن عياض الأبيات التالية:
يا عابدَ الحرمين لَوْ أبْصَرْتَنا لَعَلمْتَ أنكَ في العبادِة تلعبُ
من كان يخضب خدَّه بدموعِه فَنُحورنا بدمائنا تَتَخضَّبُ
ريحُ العبيرِ لكم ونحنُ عبيرُنا وَهجُ السنابِك والغبارُ الأطيبُ
ولَقَد أتانا من مَقَالِ نبينا قول صَحيح صادق لا يَكْذبُ
لا يستوي غُبَارَ خيل الله في أنف امرئ ودخانَ نار تَلْهَبُ
هذا كتاب الله يَنْطق بيننا ليس الشهيدُ بمَيِّت لا يَكْذبُ
وما يجب أن يفهمه الجميع أنه لولا رباطكم وجهادكم؛ لن يصلي مصلٍ ـ في أمنٍ وأمان ـ ولن يدعو داعٍ ولن يستقر حال. ولهذا فكل مرابط صابر محتسب يبتغي وجه الله؛ يُعدّ ـ بحق ـ خير من وطئ الثرى في عصرنا الحاضر.