أخبار عاجلة
الرئيسية / الأخبار / أخبار محلية / عملاق من الزمن السبئي.. العرادة إذ يُذكّر بمسؤولية مارب الثقيلة في إعادة صنعاء لسبئيتها

عملاق من الزمن السبئي.. العرادة إذ يُذكّر بمسؤولية مارب الثقيلة في إعادة صنعاء لسبئيتها

اقليم تهامة ـ مارب

في ذكرى 26 سبتمبر، أطلق الحوثيون صاروخين باليستيين على منزل الشيخ سلطان العرادة في مأرب. ولم يمض الكثير من الوقت حتى خرج العرادة بنفسه، كالمارد، متحدثاً من بين ركام منزله. لقد ظهرَ الرجل بكامل قيافته، وبملامح غير مكترثة لا تشفُّ عن انفعال أو ارتباك أو وجل.

ينتمي سلطان العرادة، اسماً وهيئةً وأسلوباً في الحديث، إلى الزمن السبئي الفاخر عندما كانت مأرب قاعدة اليمن، ومرتكز وجوده السياسي، وعمود قصره المنيف. يجبرك العرادة، بحضوره الملوكي العملاق، على أن تتجاوز التحفظ الذي يجب أن يبديه المرء عندما يتحدث عن مناقب الأحياء.

ما تقوله مأرب على لسان العرادة، ومِنْ بُغَمِ البنادق في الجبهات، هو أن مأرب أكثر من مجرَّد محافظة؛ إنَّها أرض ميعاد اليمنيين وأورشليمهم، حيث الهيكل المحطَّم والشعاع المطمور. وتختزن رمال مأرب وصخورها الشفرة الجينية للحضارة اليمنية.

لم تعد مأرب اليوم مجرد حفنة من الرمل على أرض جرداء مأهولة بالقليل من الناس، كما كانت قبل مئة عام من الآن، بل قبل عشر سنوات من الآن. لقد غدت مدينة كبرى، ساطعة بالأضواء، يؤمَّها اليمنيون بمختلف مناطقهم ومنابتهم وعقائدهم السياسية.

وليست صنعاء هي من يهاجم مأرب، وإن أطلق الحوثيون، أو أنصارهم، زوراً على جحافلهم الرثة اسم “قوات صنعاء”.

إنهم يخبؤون نجاستهم تحت اسم صنعاء. إنّ من يهاجم مأرب اليوم هو عدو صنعاء السبئية قبل أن يكون عدو بلاد سبأ الأم.

لطالما اجتاحت هذه الجحافل الظلامية صنعاء وجرَّعتها الويلات.

إنهم يجهلون أن صنعاء هي في الأساس مدينة سبئية عريقة، ودورها المركزي في التاريخ السياسي لليمن متأخِّر على مركزية مأرب السبئية بنحو ألف وخمسمئة عام.

ولعل صنعاء اليوم قد عادت مرة أخرى لتكون مسؤولية ثقيلة ملقاة على عاتق مأرب. لطالما كانت مأرب هي الأم العتيدة لليمن، ولصنعاء بشكل خاص. تقول النقوش والنظريات التاريخية أن موقع صنعاء كان من اختيار ملوك سبأ في العصور الغابرة، فهم من أسسوا المدينة لأول مرة واستوطنوها ووطَّنوا فيها، وأعطوها هذا الدور اللاحق بالنسبة لليمن.

بحسب المؤرخ اليمني الحضرمي العظيم محمد عبدالقادر بافقيه، فقد تسبب انهيار دولة التبابعة الحميريين في مطلع القرن السادس الميلادي وظهور ذي نواس يوسف أسأر الذي يسميه أنصاره “ملك كل الشعوب”، في أن يصبح غمدان، دون غيره من القصور، هو القصر الأوحد، وصنعاء، دون غيرها من المدن، هي العاصمة المركزية الواحدة.

لكن بافقيه يضيف على الفور متسائلاً: “فهل دار شيء من ذلك بخلد (هلك أمر بن كرب ال وتر يهنعم ملك سبأ وذي ريدان منتصف القرن الأول الميلادي) حين اختط صنعاء ووطَّن فيها جماعات من قبيلته مستلهماً تلك الاستراتيجية التي وضعها أسلافه، ربما قبل كرب إيلي وتر – المكرب؟”. (محمد عبدالقادر بافقيه، “الرحبة وصنعاء في استراتيجية بناء الدولة السبئية”، مجلة الإكليل، أكتوبر 1988).

ويمكن صياغة سؤال بافقيه في عبارة أخرى: هل كان أولئك الملوك السبئيون يُعدُّون صنعاء بوعي مسبق كي تصبح عاصمة مركزية في حال غياب مأرب؟

إنّه ليس جديداً على مأرب أن تكون مركزاً سياسياً واجتماعياً وحضارياً لليمن. فهذه الخبرة راسخة في طينة المكان وذاكرته وهوائه، وتجري في دم كل مأربي محترم. فمن مأرب انطلق أول توحيد سياسي لليمن. لقد أصبح جنوب شبه الجزيرة العربية، بناءً على فتوحات الملك السبئي كرب إيل وتر انطلاقاً من مأرب في القرن الثامن قبل الميلاد، مجالاً حضارياً وسياسياً متصلاً.

وعند أفول نجم مأرب أفل نجم الحضارة اليمنية. وغابت مأرب عن المشهد قرابة ألفي عام. وها هي تستأنف ذلك الدور التكويني الرائد لليمن كأمة وكحضارة.

وأياً يكن مصير المعركة الراهنة في مأرب، فهذا لن يغير إطلاقاً من حقيقة أن مأرب قد أسَّستْ ثانيةً لعودتها المجيدة الظافرة إلى صدارة الفعل المركزي في مجريات التاريخ اليمني، التاريخ الذي انسحبتْ منه قبل قرون طويلة تحت ضغط عوامل قاهرة كثيرة، سياسية واقتصادية وطبيعية، بما في ذلك التغيرات المناخية والطبيعية الجائرة التي أصابت اليمن والجزء الشرقي منه على وجه الخصوص.

هذه المرة صنعاء لا تقف وحيدة في وجه الإمامة ، فمأرب إذ تقاتل اليوم فهي لا تقاتل دفاعاً عن نفسها بل عن صنعاء، رهينة الإمامة. ومثلما لصنعاء تجارب عديدة في إيواء الأئمة غصباً، فلها في المقابل تجارب عديدة في الفتك بهم.

مرات قليلة اتخذ فيها الأئمة الزيديين من صنعاء عاصمة لشبه دولهم، فلم يكونوا دولة قط. أما كثير من الأئمة فقد جعلوا عواصمهم في مناطق هامشية. على سبيل المثال لا الحصر: الإمام المؤيد محمد بن القاسم بن محمد (شهارة)، والإمام المتوكل اسماعيل (ضوران آنس)، والإمام المهدي صاحب المواهب (في المواهب)، والإمام أحمد حميد الدين اتخذ من تعز مقراً وسكناً له بعد أن لقي والده مصرعه في صنعاء ببندقية ابن مأرب المناضل الفذ علي ناصر القردعي، وقبلهم جميعاً مؤسس الدولة الزيدية الهادي الرسي الذي خرج من صنعاء جريحاً وطريداً باتجاه صعدة، فلم تدافع عنه في صنعاء سوى فرقة من فرسان الديلم وطبرستان والعراق.

حتى إن المستشرق الفرنسي فرانك ميرميه ذهب إلى القول بأن “صنعاء صارت مناراً مضيئاً تنهار عنده كل المحاولات الرامية إلى إنشاء دولة إمامية مستقرة”.

وهاهي مأرب (الأصل) تفتدي بنفسها صنعاء المغدورة (الفرع).

وفي تلك الأراض، المليئة بالطاقة الحيوية للفعل العظيم الجسور، يُكتَبُ الآن في مواجهة الإمامة الزيدية مصيراً وطنياً جديداً لليمن، بعرق ودماء الرجال الشجعان.

شاهد أيضاً

في أمسية رمضانية لطلابية الحزب بحجة..القباطي: الإصلاح يربي شبابه على القيم الوطنية والدفاع عن الجمهورية ليكون جيل البناء

اقليم تهامة – مأرب قال رئيس دائرة الطلاب في الأمانة العامة للتجمع اليمني للإصلاح، المهندس …