أخبار عاجلة
الرئيسية / الأخبار / أخبار محلية / المؤرخ المصري الجوادي يكتب عن : النهج الإسلامي في الفكر السياسي اليمني:

المؤرخ المصري الجوادي يكتب عن : النهج الإسلامي في الفكر السياسي اليمني:

اقليم تهامة ـ د. محمد الجوادي
كاتب، ومؤرخ مصري

ليس بين الساسة العرب المعاصرين من يفوق الأستاذ الشيخ محمد محمود الزبيري 1910- 1965 في الاحتفاظ بمكانة سامقة وسابقة في الأدب والعلم والفكر والثقافة على وجه العموم، و ليس في هذا القول مبالغة فهو العالم الشاعر الخطيب المعلم القاضي الفقيه الزعيم الثائر، وفضلًا عن هذا فقد كان نموذجُا نادرًا في العصر الحديث للنوابغ من النبلاء من فرسان عصور النهضة الذين كانوا يتمتعون بالتفوق الساحق في شتى الميادين، ويجمعون الأمجاد جمع المقتدرين المخطّطين لا جمع المضطرين أو المتوافقين .

وليس بين الساسة العرب المعاصرين من يفوق الشهيد محمد محمود الزبيري قُدرةً على الثورة للحق وبالحق، وإذا قُلنا إن هذا الرجل العظيم الذي استشهد وهو في الخامسة والخمسين من عمره كان قد أعدّ نفسه للبطولة والفداء والخلود فلا إخالنا نبالغ في هذا الحكم الذي نلخص به حياة هذا الزعيم النادر الوجود الذي كان إشعاعه المتوهج في الحياة السياسية اليمنية قادرًا على أن يستنهض همّة الأمة على نحو ما نهضت من قبل وأن يحقق بهذه النهضة الوثابة ما عجز عنه بعض من تصدّوا لقيادة حركتها الثائرة بسبب ما كانوا يعانونه و يستمتعون به من اضطراب النية و قصور الهمة في كثير من الأحيان.

أسرته العريقة:
كانت أسرة الزبيري التي نشأ فيها شاعرنا الزعيم محمد محمود الزبيري من الأسر الصنعانية العريقة التي نبغ فيها قضاة وعلماء وشعراء، فقد كان جدّه القاضي لطف الباري محمد محمود الزبيري شاعرًا؛ وكان من أسرته أيضًا لطف الله الزبيري الذي هو من علماء وشعراء اليمن المعروفين، كما اشتغل والده محمود محمد محمود الزبيري بالقضاء.

وليس من قبيل المبالغة ما يقال من أن الزعيم محمد محمود الزبيري ولد عالمًا قاضيًا بحكم نشأته في بيت العلم والقضاء، لكنه وقد حاز المجد في نشأته نزع إلى العالم الروحي مُتجاوزًا إطار الحياة الصوفية بفرقها المختلفة إلى الفكرة الصوفية بمنظورها النفسي المستهدف لرقي الإنسان.

تطوّر فكر الأستاذ محمد محمود الزبيري السياسي والاجتماعي مع الزمن من دون أن يفقد سموه و رقيه، فقد بدأ مثاليًّا طموحًا، وظل يرتقي بهذه المثالية بالأدب والفن من أجل إقناع الجماهير وتوجيه حركة القوى الاجتماعية حتى استشهد وهو لا يزال طموحًا إلى المثالية وعاملًا من أجلها.

عاش الأستاذ الشهيد محمد محمود الزبيري طيلة حياته كما وصفه بعض أنداده طلق المحيا، يهشّ في وجوه الجميع، ويتناول القضايا والمشكلات بأسلوب متوازن من حيث فهمها واستقصاؤ ها وتشخيصها و علاجها، كان على طريقة رجال القضاء يستمع إلى آراء الجميع وينحاز إلى الرأي الذي يعضده الدليل وقوة البرهان، فيستهدي الزعماء معه إلى رأي سديد.

صداقاته للمثقفين:
كان الأستاذ محمد محمود الزبيري صديقًا لكثيرين من أهل الفكر والثقافة ممن اختلطوا بالسياسة وبالزعامة وممن تفرغوا للأدب ومن هؤلاء صديقه الشاعر العظيم علي أحمد باكثير. و كان ملمًّا إلمامًا متميزًا باللغة الأوردية وقد نشرت مجلة (المسلمون) في عـام 1953م قصيدة كتبت في الأصل باللغة الأوردية، ترجمها إلى العربية وأعاد نظمها الشاعر محمد محمود الزبيري. كما روى الأستاذ أحمد الجدع أن الشاعر عمر بهاء الدين الأميري أنشده مساجلات شعرية كانت تدور بينهما وتربو أبيات القصيدة الواحدة على مئتي بيت في بعض الأحايين. وأنه يُعدّ هذه المساجلات ليطبعها في كتاب بعنوان: مع القاضي محمد محمود الزبيري.

كان الشاعر محمد محمود الزبيري كذلك نموذجًا فذًّا ومعبرًا عن عبقرية الساسة المتحضرين وقد اجتمعت عليه القلوب، ووثق به أبناء شعبه لإخلاصه وصدقه ونزاهته وطهارته، و كان من الذين يصدق عليهم وصف أهل الإيمان بأن جهادهم السياسي كان في سبيل الله وابتغاء مرضاته. و كان من الذين يعتقدون عن يقين في أن الإسلام يمثل المنهج الأمثل لحياة الأمم والشعوب والأفراد والجماعات والدول والحكومات، ومن ثم فلا بد من توحيد الجهود لاستلهام النظم الإسلامية المستمدة من الدين العظيم.

النهج الإسلامي في الفكر السياسي اليمني:

إلى الأستاذ محمد محمود الزبيري يعود جزء كبير من الفضل في التمكين الذكي لعناصر ومقومات النهج الإسلامي في أدبيات وممارسات الفكر السياسي اليمني المعاصر، وفي الإفادة من الإسلام: عقيدة وشريعة ومجتمعًا ونظامًا ، على أن الأهم من هذا أنه ترك أتباعًا ومُريدين من الساسة اليمنيين, المسلم يستدعي من الذاكرة وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : «جاءكم أهل اليمن ألين قلوبًا وأرق أفئدة» وقال: «الإيمان يمان، والحكمة يمانية”

أدّى الشاعر محمد محمود الزبيري فريضة الحج1937
وبقي بعد الحج مجاورًا في مكة المكرمة لبعض الوقت ثم انتقل للدراسة في مصر في وأسس في ذلك الوقت كتيبة الشبان اليمنيين (سبتمبر 1940)

لكنه بعدما عاش في مصر والتحق بدار العلوم وعاصر مجدها وجد أن واجبه تجاه بلاده يُناديه أن يعود إليها فيخلق فيها روح نهضة وثابة لا تفتقد مقومات ما هو موجود في القاهرة العامرة

بداية جهاده: السجن:

عاد الرئيس محمد محمود الزبيري إلى اليمن وبدأ جهاده بأن قدّم مذكرة للإمام يحيى تتضمن مشروعًا لإنشاء جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صنعاء ، وخطب لصلاة الجمعة في صنعاء خطبةً كان حماسها كفيلًا، بأن يُغضب الإمام يحيى و أن يقوده إلى السجن مباشرة .

هكذا سُجن الشهيد محمد محمود الزبيري في سجن الأهنوم في صنعاء، ثم خرج من السجن فاتجه إلى تعز.

وبدأ يُفكّر بعد خروجه من السجن في أن يستعين بولي العهد على الإصلاح، وكأنه كان على وشك أن يُكرّر تجربة الأفغاني مع الخديو توفيق في عهد أبيه الخديو إسماعيل، وقد وافقه كثيرون من مثقفي اليمن على هذا التحالف لكنهم سرعان ما اكتشفوا قبل فوات الأوان عبثية مثل هذه الفكرة، ولهذا آثر الشهيد محمد محمود الزبيري أن ينتقل بدعوته إلى عدن بعيدًا عن بطش الإمام .

وفي عدن بدأ الرئيس محمد محمود الزبيري يؤسّس الكيانات الثورية التي كان له الفضل في وجودها فبدأ بأن أسس مع رفيق كفاحه الأستاذ أحمد محمد النعمان (1909 ـ 1996) حزب الأحرار في عدن في يونيو 1944 وأصدر صحيفة “صوت اليمن”.

أولى ثورات اليمن:

ثم وجد المهمة أكبر من الاسم، فتحوّل باسمه ليكّون الجمعية اليمنية الكبرى (يناير 1946 ـ 1948) وهي الجمعية التي اشتركت في القيام بأولى ثورات اليمن في 1948 على الإمام يحيى حميد الدين 1869 ـ 1948، وهي الثورة التي أصبح الشهيد محمد محمود الزبيري بعدها من رجال الدولة وزيرًا للمعارف .

ظل الأستاذ النعمان شريكًا للزبيري في كفاحه، وعلى حين كان الرئيس محمد محمود الزبيري رئيسًا للجمعية اليمنية الكبرى، فقد كان الأستاذ النعمان أمينها العام، وقد تضمن برنامج تلك الجمعية: الدستور والحياة النيابية والحريات والمساواة وكل ما من شأنه أن تقوم به حياة سياسية قويمة على أرض اليمن.

فلما فشلت ثورة 1948 بعد عمر قصير جدًّا وكان لا بد له من أن يغادر اليمن وجد الدول العربية كافة لا تُرحب به، فآثر السفر إلى باكستان، وهناك التقى باثنين من السفراء المثقفين: السفير المصري الدكتور عبد الوهاب عزام والسفير السوري الشاعر بهاء الدين عمر الأميري.

فلما قامت ثورة “1952” عاد إلى القاهرة هو والأستاذ النعمان واستأنفا نشاطهما فيها وأصبحا ملاذًا و مثابة و مرجعًا لأهل اليمن الذين يخططون للثورة، وقد أسّسا الاتحاد اليمني 1953- 1962.

واعتمد الرئيس محمد محمود الزبيري على الفكر في إشعال الثورة على الرغم مما كان يلقاه من الإحباط، ومما يؤثر عنه في ذلك الوقت قوله: “كنت أحس إحساسًا أسطوريًّا بأنني قادر بالأدب وحده على أن أخوض ألف عالم من “محاربة” الفساد والظلم والطغيان”

وفي سنة 1955م حدثت محاولة انقلاب الضابط أحمد الثلايا ضد الإِمام أحمد ابن يحيى بن حميد الدين ولكنها فشلت وأُعدم الثلايا.

ثورة ١٩٦٢:

ثم قامت ثورة عبد الله السلال في 1962 على الإمام أحمد (1891 ـ 1962) و عاد الشهيد محمد محمود الزبيري إلى صنعاء فاستُقبل استقبالًا أسطوريًّا وأصبح مرة أخرى وزيرًا للمعارف ثم نائبًا لرئيس الوزراء وعضوًا في مجلس الثورة.

كان الشهيد محمد محمود الزبيري سرعان ما تحول في 1963 إلى ما قد يوصف بانه معارضة السلطة المصرية الموجودة على أرض اليمن، وذلك من دون أن يكون من الملكيين، وكان من الصعب على النظام الناصري أن يتفهم مثل هذا الوضع، وهكذا فإنه اعتبر محمد محمود الزبيري وأتباعه من الأعداء.

لكنه آثر الاستقالة في 1964 بعدما رأى البلاد تندفع فيما دفعه إليها قادة العرب من الحرب الأهلية، و استأنف كفاحه على صعيد كان يتطلب شخصيةً من طرازه، بصفاته، ومكانته، وهو ميدان الإصلاح بين القبائل، واشترك في مؤتمرات الصلح في “كرش” و “عمران” والسودان، لكن جهوده باءت بالفشل كما هو متوقع.

حزب الله:

عند هذا الحد بدأ الرئيس محمد محمود الزبيري يُفكر في إنشاء حزب يتجرّد للقضية تحت راية الإسلام وكان هو صاحب التسمية التي أخدها غيره بعد ذلك وهي “حزب الله” (1963) وقد ضم إليه الأستاذ عبد الملك الطيب والكثير من كبار مثقفي اليمن وبدأ يدعو الملكيين والجمهوريين إلى الانضمام إليه، وأعاد إصدار صحيفته القديمة “صوت اليمن” لتكون لسان حزب الله.

وفيما بعد كان الشيخ عبد الله الأحمر من أبرز مُعاوني الشهيد محمد محمود الزبيري حتى قال فيه مقولته المشهورة “لولا أن الله ساق لنا هذا الشاب ما استطعنا أن نأمر بمعروف أو ننهى عن منكر”، ولما بدأت أسهم حزبه في الصعود تململت من نشاطه ووجوده قيادات الملكيين والجمهوريين على حد سواء، وكان لا بد لهما من الخلاص منه، سواء بأيدي الملكيين أو الجمهوريين ولم يطُل الأمر به فقد استشهد في أول إبريل 1965 فكان يوم رحيله من أسوأ أيام اليمن في عصره الحديث.

ومع هذا فقد انعقد مؤتمر “خَمِر” الذي كان يُعِدّ له.

آثاره:

أما آثار محمد محمود الزبيري الشعرية فتهيئ له مكانة متقدمة بين الشعراء الإسلاميين في كل العصور

دواوينه الشعرية المطبوعة ثلاثة:

  • صلاة في الجحيم
  • ثورة الشعر
  • نقطة في الظلام

ــ قصيدة عالم الإسلام ألقاها في باكستان في مؤتمر حاشد

ــ في سبيل فلسطين قصيدة من روائع الشعر الذي صور النكبة والأمل

ــ ثورة قصيدة من الحماسة

له رواية: مأساة واق الواق (وهي على نهج رسالة الغفران للمعري)

أما مؤلفاته السياسية فمنها:

  • الإمامة وخطرها على وحدة اليمن
  • الخدعة الكبرى في السياسة العربية
  • مطالب الشعب
  • دعوة الأحرار ووحدة الشعب

دراسات عنه:
وضعت مؤلفات عديدة عن الزعيم الشاعر محمد محمود الزبيري تناولت جوانب من حياته ونضاله وشعره نذكر منها:

  • محمد محمود الزبيري أديب اليمن الثائر: رسالة علمية للدكتور عبد الرحمن العمراني.
  • محمد محمود الزبيري شاعر اليمن: للأستاذ هلال ناجي.
  • محمد محمود الزبيري ضمير اليمن الثقافي: للدكتور عبد العزيز المقالح.
  • محمد محمود الزبيري شاعرًا ومناضلاً، لمجموعة من الكتّاب اليمنيين.
  • محمد محمود الزبيري من أول قصيدة وحتى آخر طلقة: للأستاذ عبدالله البردوني.
  • محمد محمود الزبيري الشهيد المجاهد: للأستاذ عبد الرحمن طيب بعكر.
  • التاريخ يتكلم ـ وثائق ـ: للأستاذ عبد الملك الطيب. ـ
  • شعر محمد محمود الزبيري : للدكتور رياض القرشي.

عن مدونة الجزيرة مباشر، بتصرف

شاهد أيضاً

اصلاح المحويت ينعي القيادي والمربي الاستاذ / محمد عثمان الداعري

اقليم تهامة ـ خاص نعي التجمع اليمني للإصلاح بمحافظة المحويت الأستاذ/ محمد عثمان الداعري أحد …