أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / الجوف منجم الرجال

الجوف منجم الرجال

كتب / فيصل علي

دُعيت في مطلع هذا الأسبوع لحضور تدشين ملتقى طلاب الجوف في ماليزيا، بطبيعة الحال أنا أحب حضور الفعاليات ذات الطابع الهادف والجاد ، فقد مللتُ حضور المناسبات الرسمية البائسة و التي لا تعبر عن روح الأمة و إنما تعبر في أفضل أحوالها عن الممولين الداعمين لإقامتها..

 

صارت تلك الفعاليات الجماهيرية الحية هامة جداً في ظل الوضع الحالي لأمتنا اليمنية ، و هي تمر بمرحلتين متوازيتين الأولى : هي مرحلة هدم الأطر القديمة التي نبتت في ظل الفساد الذي استمر حوالي ستة عقود، والثانية : هي مرحلة بعث الأمة اليمنية، فكرت بكل هذا و أنا حاضرٌ في هذا الملتقى الطلابي المتوقد ، فقد كنتُ كأني أسمع أبانا الزبيري و هو يقول الدولة دولة الشعب والحكومة حكومة الشعب ..

لم يعتز أحد بالشعب كالزبيري بين أهل الثقافة والادب والسياسة والدولة، حتى تلك الكائنات التي وصلت إلى السلطة عبر المعادلات السيئة لم تكن تتحدث عن الشعب خوفاً من صحوة المارد الذي تعسر ترويضه برغم كل الظروف التي مرَّ بها ومرحلة التيه الممتدة 1200 عام.

 

الجوف المحافظة النائية كما سُميت في تعاملات أخر سلطة هشة حكمت اليمن، لم يكن هذا التوصيف النابي من اختيار أهلنا في الجوف، بل برضى وموافقة بعض الذوات الذين احتكروا مصالح الناس في أسمائهم وهيئاتهم غير المعبرة عن الجماهير.

 

“نائيةٌ” الجوف وغيرها و السبب الرئيسي في ذلك هو البعد عن التعليم أو التأخير في فرض التعليم اجبارياً على كل أبنائها، أصلاً لم توجد الدولة التي تفرض التعليم على الناس في اليمن إلى يومنا هذا، لكن بعض المحافظات حصلت على بعض حقوقها في التعليم وبعضها لم تحصل على تلك الحقوق التي قامت على أساسها الثورة في سبتمبر 1962، وبقاء الجهل في الجوف وغيرها كان منافياً لعقيدة سبتمبر عليه وعلى أهله السلام.

 

ظلت الهاشمية السياسية “الجاهلية” تمارس التجهيل الممنهج كعقيدة هاشمية راسخة لتضليل المجتمع اليمني، حتى تحصل على جنود أغبياء يحاربون بالسُخرة، وسلطت جنود “المشرق” على وسط اليمن لأجل السلب والنهب، عسكر المشرق هؤلاء جلبتهم الإمامة المتخلفة  مع الأسف من الجوف وما جوارها، لقد فعلت الهاشمية السياسية باليمن مالم يفعله التتار بالعرب والمسلمين قاطبة، لم تقض على حاضر الناس في فترات حكمها، لكنها ربطتهم بخرافة الهادوية تحت مسمى الزيدية، ظن الناس أنهم يتبعون الدين فإذا بهم يتبعون المجرمين أعداء الدين، فالمذهب الخادع قد سخر المجتمع لخدمة سدنة الهاشمية السياسية محرفاً الدين وقاضياً على فرص  الناس في الحياة الكريمة، لقد قام بعسكرة المجتمع، حتى أن الزبيري رحمه الله قرن بين الغباء والعسكري:

و العسكري بليد للأذى فطنٌ

كأن إبليس للطغيان رباه

 

ونتيجة لهذا التجهيل الهاشمي المتعمد ظلت الجوف محافظة نائية، اُفرغت على مر الزمن من سكانها، وبعد قيام الثورة في 1962 ظلت فخاخ الإمامة ومعاول هدمها مسيطرة هناك تحت مسميات قبلية ومذهبية تتحين الفرصة للانقضاض على الجمهورية اليمنية الفتية، لم يتحرر الناس من خرافتي الشيخ و السيد مثلها مثل بعض المحافظات، لم يكن للثورة صدىً فكريا و لا فلسفة تعيد الناس إلى وعيهم بهويتهم ويمنيتهم، التعليم كان كفيلاً بإزالة هذه الفخاخ والتشوهات لكنه تأخر وبتأخره تجذرت الفخاخ.

 

مثلت ثورة اليمن في 11 فبراير 2011 امتداداً حقيقياً لثورة 26 سبتمبر 1962، وكان للجوف هبتها الثورية نافضة غبار الزمن وعفن الهاشمية السياسية عنها، ولذا سرعان ما قامت الهاشمية السياسية بحربها في الجوف، محاولة السيطرة على المحافظة في ظل انشغال الشعب بالثورة السلمية في صنعاء. لكن الجوف تصدت لغزاة الهاشمية السياسية في 2011 وفي 2014، ففي الأرض المقدسة التي رويت بدم الزبيري العظيم لا يمكن أن يكون للهاشمية السياسية موضع قدم..فدم الزبيري هناك أزهر ثورة يمنية رغم كل ما جرى  ..

 

وأنا أنظر في وجوه شباب الجوف تذكرت الزبيري الذي ذهب إلى الجوف في أخر أيامه ناشراً فكرة الجمهورية بطريقة لا تتفق مع طرفي النزاع في تلك الفترة ، لماذا أختار الجوف؟!

وهنا يقع السؤال الأهم والذي يحتاج إلى إجابة ملهمة لهذا الجيل الذي يُنشئ دولته بكفاحه.. بماله و دمه متجاوزاً كل عقبات التاريخ والجغرافيا، صناعة الحرية التي كان يهتم بها أبو الأحرار و اختياره للأحرار هي من أهم أسباب ذهابه إلى الجوف،  قاضي حر و سياسي وأديب مثله لا يُسأل لماذا ذهب إلى قلب التاريخ اليمني ، لأن “قرناو” تستحق السعي إليها و فيها معبد “عثتر” المقدس، فمن أصابته الجغرافيا بالهم فليذهب إلى التاريخ، هذا التاريخ الذي يحتاج منا جميعا إعادة قراءته لنعلم كم ظُلمت الجوف ليس من أبنائها وحدهم بل من كل سكان البلد الذي لا يعرفون عنها سوى أنها محافظة نائية، كيف تكون مملكة معين نائية؟؟!!

هذا ظلم للحضارة والتاريخ و الانسان و “لعثتر” بذاته.

 

الجوف بلا منازع هي مصنع الرجال وحضورها المشهود مؤخراً في حرب اليمن مع دعاة الهاشمية السياسية دليل على أن الجوف وأبنائها الكبار الكرام لن يسمحوا للوائح المتخلفة أن تجعل من قلب اليمن النابض بالحياة و الرجولة و التاريخ و الحضارة أن تصف الجوف بأنها محافظة نائية مرة أخرى.

 

هذه الحرب حرب هوية وحرب وجود، و أمام أبناء الجوف اليوم قضيتين الأولى: فيما سيقدمونه للجوف والثانية : تتمثل فيما ستقدمه الجوف لليمن الكبير، و كلا الأمران مرتبطان ببعضهما، التعليم وحده كفيلٌ بأن يغير وجه الجوف و وجه اليمن، ولن تكون اليمن موطناً لمذهب عنصري، فاليمن أكبر من المذاهب والأحزاب، وهؤلاء الشباب الذين ابتعثتهم أسرهم للتعليم هم ذخيرة الجوف و بأيديهم سيكتب التاريخ ، وهم الثروة الحقيقة، بحسب نظرية الإنسان هو الثروة، فإن الجيل الجوفي الجديد هو ثروة الجوف التي سترفد اليمن، لا ننتظر من الجوف نفطاً أو فضة، بل ننتظر كوادر تقنية تحول صحراء الجوف إلى مزارع طاقة كهربائية تكفي اليمن وتصدر إلى خارج الحدود، و بعيداً عن الثروات الباطنية فصناعة التعليم قادرة على خلق المعجزات العظيمة.

 

اثنى عشر مديرية في الجوف تحتاج إلى خطة تعليمة شاملة تبدأ من التعليم العام والتعليم العالي والتقني،  تجار الجوف من خيار مستثمري البلد في الخارج، وهم من يستثمرون اليوم في تعليم أبنائهم، عليهم ألا ينتظروا الدولة ومشاريعها ، عليهم القيام بوضع خطة عامة للتعليم في محافظتهم، و هذه الخطة هي الكفيلة بجعل الدولة تلتفت لفتة جادة إلى الجوف و كفيلة بجعل الجوف قبلة اليمن في صناعة التحول المنشود.

شاهد أيضاً

ستشرق شمس صنعاء من أرض غزة

اقليم تهامة ـ ياسر ضبر تتحكم المخابرات الأمريكية والبريطانية بنظام الحكم الايراني، بل وتتربع عناصرها …