اقليم تهامة – خاص
…
الحديدة … من عروس للبحر الأحمر إلى مرتع للسوق السوداء، فكل الخدمات التي يفترض بالسلطة المحلية تقديمها للمواطن أصبحت منعدمة، ويمكن توفيرها فقط في أسواق أسوداء فاقمت من معاناة المواطن الذي أوقفت عنه المليشيات راتبه الشهري وكست حياته بالسواد.
محطات وقود فارغة، وبجوارها براميل وطرمبات مليئة بالديزل والبترول وبالسعر الأسود، محطات غاز فارغة، وبجوارها سيارة نوع “دينا” ممتلئة بانابيب الغاز وبالسعر الأسود، تنصلت المليشيات عن كل التزامات الدولة ووكلت السوق السوداء لتلبي حاجات المواطنين.
من أين يمكن للسوق السوداء توفير الخدمات المنعدمة؟ وما دور سلطات الانقلاب في مكافحة هذه السوق؟ سؤالان يمكن لكل مواطن في الحديدة أن يعرف العلاقة الوثيقة والمتبادلة بين سلطات الانقلاب المحلية والسوق السوداء المنتشرة في شوارع وأزقة وحارات الحديدة .
وبنظرة بسيطة يكتشف المواطن البسيط، أن عمال وموظفي السوق السوداء الذين يمنحوه متطلباته، أشكالهم، لكناتهم، ملابسهم، كل شيئ، قادمون من خلف الصخور، تركوا خلفهم أحجار سيدهم الكريمة، وجاءوا إلى الحديدة يعبثون بكل شيئ فيها، ويقف خلفهم متنفذون “صامطون” في ملئ جيوبهم بكل أنواع “الصموط” ضد “العطوان” .
تتعمد سلطات الانقلاب بالحديدة إفراغها من خدمات الدولة، لتمنح لازلامها فرصة الثراء عبر تقديم سوق سوداء لهذه الخدمات، فوراء كل خدمة منعدمة سوق سوداء متوفرة بسعر أسود، يمكن للمواطن الحصول عليه، وآخرها إنعدام الكهرباء فقد وفرت سوق سوداء كبيرة للمولدات الكهربائية التجارية الضخمة، التي تقدم خدمة للمواطنين الهاربين من جحيم الحر الى جحيم التكلفة الباهظة والاضرار الصحية والبيئية .
ظهرت المولدات التجارية بالحديدة، بعد عجز سلطة الانقلاب الإيفاء بتعهداتها المتكررة في توفير كهرباء عمومية للمواطنين قرابة 3 أعوام الماضية، تحت حجج واهية .
في ظل أجواء الظلام التي هيئتها مليشيا الانقلاب، ظهرت المولدات الكهربائية في عدد من أحياء مدينة الحديدة ومديرياتها، وهي في الغالب تتبع أشخاصا ظهروا فجأة بصفة “تاجر” ومتنفذين يقتاتون على معاناة الناس، ظهرت كبديل تجاري بدلا عن الكهرباء العمومية التي يأس المواطنون من عودتها تحت سلطة المليشيات .
وتتفاقم المآساة حين تتخذ هذه المولدات من مناطق مزدحمة ومكتظة بالسكان مقرا لها، فيصبح ضجيجها مصدر إزعاج للمواطنين، ومصدر قلق دائم للمحيطين بها خوفا من أي خلل قد يؤدي إلى حريق يلتهم الحي بأكمله خاصة وأن أغلب منازل أحياء المدينة متقاربة ، ناهيك عن الأدخنة المنبعثة عنها وتأثيرها على الجانب الصحي والبيئي للمنطقة .
وبحسب مختصين، فإن إنبعاثات هذه المولدات،خطر على الأطفال دون سن السابعة، فاستنشاقها يشكل خطرا على نمو الدماغ وتلفه وتعطيل الذاكرة على المستوى البعيد، كما تصيب كبار السن بأزمات تنفسية، وتفاقم من معاناة المرضى .
خلال الأسابيع الماضية، تسبب أحد هذه المولدات في حريق هائل راح ضحيته مبنى يتكون من عدة طوابق في شارع جمال بالمدينة، ومعه كل ممتلكات الساكنين في شقق هذا المبنى، ويخشى السكان تكرار هذه المأساة مع مولدات أخرى، خاصة وأن جميع هذه المولدات تمتلك ظروفا متشابهة من حيث فقدانها لوسائل الحماية والسلامة والأمان، وأماكنها التي تتوسط مساكن المواطنين .
كل هذا في مدينة الحديدة التي جثمت على قلوب أهلها مليشيات الموت والدمار، ولم تبالي بكل معاناة أبناءها، ووجدت في المدينة مرتعا خصبا للثراء، ومنتفعين سهلوا لها التحكم في رقاب أهلها، طمعا في التقاط فتات ما تسمح به المليشيات لهم، ثم لن تلبث أن تركلهم باقدامها، وقد بدأت.