اقليم تهامة – كتابات / احمد عبدالملك المقرمي
ميادين العمل البطولي واسعة، و مجالاته متعددة، و طرق البطولة معروفة و جبهاتها متنوعة، و القمم الشماء العالية الشموخ لا يتبوؤها إلا الأبطال؛ و هي تتسع و تمتد لكل بطل يصل إليها، فبمقدار عدد الواصلين بجهودهم تتسع لهم القمة مهما كانت كثرتهم:
تريدين إدراك المعالي رخيصة و لابد دون الشهد من إبر النحل
فالبطولة ليست بالأماني أو مجرد تطلع، و لكنها سير جاد، كما أنها بذل و عمل:
ألا لا أحب السير إلا مُصَعِّداً و لا البرق إلا أن يكون يمانيا
غير أن قمم البطولة لا مجال فيها لمتسلق، و لا سبيل إليها لمتطفل، و لا تُنال بحركات استعراضية، و لا بصناعة إعلامية، و لا تتأتّى لخائر رعديد! فمحل هؤلاء التلاع و القيعان :
و لست بحلّال التلاع مخافة و لكن متى يسترفد القوم أرفد
مزاعم البطولة كثيرة أيضا، و مدعوها كُثُر، و لكن هؤلاء يخوضونها من وراء جدر، و بعيدا عن ميادين البذل و الفعل، و إنما من قعر مطابخ مأجورة، تمولها أبراج عاجية، كليلة السير، مائعة الهدف :
و إذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده و النزالا
هذا الصنف من الناس يشحتون البطولة بعنتريات الحرف، و استعراض القول، و تشدق اللفظ، و دنس الدولار ! يملأ المكان تحديا و ضجيجا، فإذا دعاه الواجب لترجمة القول بالفعل تحسّس رقبته و استنجد بقول القائل:
و لو أنني في السوق أبتاع غيرها و جدّك ما باليت أن أتقدما
بينما لسان حال الأبطال:
أقول لها و قد جشأت و جاشت مكانك تُحمدي أو تستريحي
و مدعي البطولة إذا ناداه منادِ الإنفاق( هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا) شحّ و أمسك، و بخل و تضجر ، و قبض يديه و وَلْوَل و قال: الحقوق كثيرة، و العيال أكثر، و الظروف قاسية، و الغلاء يزداد، فيبدو و كأنما هو المعني بقول القائل:
تراهم خشية الإطعام خُرْساً يُقِيمون الصلاةَ بلا أذان
على خلاف مواقف ذلك السمح الجواد الكريم:
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلا فإني لست آكله وحدي
و تمثل في واقع الحياة بدائل و مُتاحات، و طرق أخرى كثيرة للبطولة؛ في البذل و المكارم و المساندة .. و هناك من يعلو سهمه، و يطول باعه، و هناك من تقعد به همته، و يزري به بخله، و يكون نصيبه ما أشار إليه جرير – مع استبدال مفردة :
و التغلبي إذا تنحنح للقِرى حكّ (انفه)و تمثل الأمثالا
فيعيش و يحيا و ليس له من فضل أو دور أو نصيب إلا قول الشاعر:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها و اقعد فإنك أنت الطّاعم الكاسي
فإذا كان ميدان العنتريات قولا و كلاما؛ صال به و جال، و جندل الأبطال، و مَنّ على الجرحى و قاد الأسرى، و زعم أنه جاء بما لم تستطعه الأوائل !
البطولة تضحية و بذل، و عرق و دم، و عطاء و إنفاق، و نصح و رأي، و دعم و دعاء و تعبئة و استنفار، و مواقف و مساندة :
لولا المشقة ساد الناس ُ كُلُّهمُ الجود يفقر و الإقدام قَتّالُ
البطولة ليست بالشحت أو التسوّل، إذ لا يمكن أن يشحتها متسول أو متسولون؛ لأنها جهد و جهاد، و مشقة و كفاح، و عمل في ميادين البطولة المختلفة؛ و لهذا يتقهقر أصحاب الادعاء العنتري للبطولة، فيشحتونها من خلال تسولهم لها بالتمترس خلف الحروف المدوّية، و التصريحات الطنانة، و المقالات الرنانة، و المظاهر الكاذبة، ذخيرتهم الدرهم و الدولار، و النهيق خلال الديار للبلبلة و الإرجاف .
فاذا شعروا أن عنترياتهم الكلامية – تلك – لم تسعفهم، و لم تبلغ بهم أغراضهم، و أن المجتمع يستنكر الحركات الجوفاء منهم، سعوا لتغيير وسيلة شحت البطولة، فإذا هم يتعرضون للأبطال بالشتم حينا، و بتقليل أدوارهم حينا آخر، و بهدم المواقف البطولية للأبطال تارة أخرى، و شعارهم في ذلك:
إذا أنت لم تنفع فَضُرّ فإنما يُرَجَّى الفتى كيما يضر و ينفع
البطولة فعل ملازم للأبطال في أي ميدان من ميادين التضحية و العطاء، و هي بالتالي عمل لا يمكن لشحات أن يتصف بها عن طريق الشحاتة، إذ البطولة صفة لا يدركها الشحاتون، أو يسرقها المهرجون، أو( المفصعون)، و حتى الإعلام المضلل لا يصنع بطولات حقيقية، فمهما دندن و ثرثر، فإنه إنما يصنع بطولة من ورق !
البطولة الحقيقية- اليوم- خطها مواجهة الكهنوت الحوثي بكل السبل و الوسائل، و أن يصطف الجميع لإسقاط المشروع الظلامي المدمر، و من يبحث عن بطولة سهلة خلف صفوف الأبطال، فإنما هي خدمة مجانية -ربما- لمصلحة الكهنوت، و أما المجتمع البطل برجاله و نسائه، فيعرف أين يقف و يصطف، و ماذا عليه أن يفعل.