أخبار عاجلة
الرئيسية / الأخبار / أخبار محلية / عفاش في ذكراه الأولى

عفاش في ذكراه الأولى

اقليم تهامة – كتابات ا فيصل علي

النهايات السعيدة غير متوفرة إلا في مخيلات الأطفال و المراهقين و اليمنيين الذين تغلب عليهم العواطف و وفقاً لها يتخذون مواقفهم الآنية ، منذ 1918 و هم يحلمون بسعادة طويلة الأمد و سلام دائم و خبز و مرق وقت الظهيرة ، و أوراق قات تساعدهم على استجرار الحلم بقية اليوم، و شيئاً من القهوة في الصباح و لقمة مغمسة بالسمن و اللبن بعد الضحى، و في الليل تذهب بهم الحسرات و يراجعون تقلبات الزمن، و قلما تجد يمنياً ينام بدون هموم تبدأ بتوفير الخبز و تنتهي بتوفير الأمن و السلام.

لم أدرك في تاريخ اليمن المعاصر أكثر من سُنة التدافع عند هذا الشعب، وكذلك الصبر على المصائب، و قوة التحمل و التكيف مع مختلف الظروف و البيئات، وهذه مواصفات أقرب لمادة الحديد منها لمواصفات إنسان يبحث في الحياة عن حياة.

لا حياة و لا سلام و لا أمن و لا خبز و لا استقرار بدون دولة ، و الدولة في اليمن ليست سوى حلم في بعض الأحيان و في أغلب الأحيان كابوساً، لماذا كابوس ؟؟ لأنها دولة جبايات و إتاوات منذ عهد من لا عهد لهم و لا ميثاق و لا ذمة و لا أمانة و لا خلق قويم، و هم الذين حكموا اليمن منذ 1918 إلى أن اطاحت بهم و بسلالتهم و بمذهبهم السياسي البائس ثورة 26 سبتمبر 1962، و بعدها أُطيح بالحالمين الثوار جميعاً.

وعندما بدأ حكم العسكر منذ 1974م، تغيرت الظروف و مرت بالشمال حالات من الرخاء اعقبتها حالات من الشدة ، بينما لم تمر بالجنوب منذ الستينيات سوى حالات الشدة.

عندما أعتلى العرش علي عبدالله صالح، بدأ حياته ككل العسكر بالدم و انتهت حياته بالدم، و معه ذهب حلم الكثير من الناس خاصة بعد تحقيقه للوحدة بقرار شجاع وجرئ صار بطلاً قومياً يومها، و”لأن الحلو ما يكملش” فقد أضاع كل ما تبقى للناس من أحلام.

عندما يفقد الناس أحلامهم يثورون ، لذا كانت ثورة 11 فبراير سلمية خلعته أو استغنت عن خدماته ، لكنه فهمها كما فهم ممارسة السياسة بحسب عبارته المشهورة “الرقص على رؤوس الثعابين” لم يتوقف عن  الرقص حتى أخر لحظة من حياته، و لم يمنح نفسه مكافأة نهاية الخدمة، سبع سنوات قضاها بدون البنك المركزي و الجيش كان يستطيع خلالها كتابة مذكراته و رقصاته كلها، لكنه أبى التوقف عن الرقص حتى “بالغدر”، و مثلما له أعداء إلا أن له أحباباً و هناك من لم يقبل إنهاء عقده كموظف دولة، فهو عند أحبابه كان السلطة و القوة و الدولة.

بالأمس قبل عام و يوم كنت في قناة عربية انعى للأمة عفاش و كاد يخنقني الحزن بسبب الطريقة التي قُتل بها الرئيس السابق للبلاد، استوقفني المذيع و سألني لماذا تقول :”رحمه الله؟! “، قلت له :”ماذا أقول في حالة رجل من قومي قد أفضى إلى ما قدم؟!، ليس من عرفنا الاجتماعي الخصام مع من مات، انتهى خلافنا معه و اليوم عزاء”، قلت له بالحرف: ” لا أستطيع أن أخرج عن العرف الاجتماعي و أن أتحدث في عزاء الرجل بما يخالف طقوس العزاء، كان المذيع مندهشاً، وكان بجواره رفيق ثوري من رفاق ثورتنا ضد عفاش و كان هو الآخر مندهشاً من حديثي، أنا لا أخاصم الموتى، فمازال لديَّ القليل من العقل و الكثير من العاطفة و المزيد من العادات القبلية ، و كما يقول ديستوفيسكي: “بكوا في أول الأمر ثم ألفوا و تعودوا … إن الإنسان يعتاد كل شيء. يا له من حقير”.

يومها دار الجدل حول الأمر فمنهم من شمت و قلة من صمتوا و الأقل من ترحموا على عدو ميت، كنت من هذا النوع الأقل، و مازال الجدل اليوم قائماً، فهناك من تحركه عواطفه حتى لو أدعى الأخلاق أو القيم الإنسانية و حقوق الإنسان و دعا للسلام، و هناك من ينظر للسلام مع فضلات التاريخ الذين مازالوا لهذه اللحظة يمارسون الانقلاب بأبشع صوره ، لكنه لا يريد التوقف عن الخوض في الجدل حول ميت.

يقول قائل :” إن الله قد تحدث عن المستبد فرعون في القرآن و نحن نتحدث عن المستبد عفاش، فهل القرآن أخطأ في الحديث عن فرعون؟! “.. جل الله في علاه، قلت لأحدهم :” القرآن تحدث عن فرعون بعد ألفي سنة من غرقه، يعني لم يعد له أهل و لا أنصار و لا جماهير و لا يتامى، بينما لعفاش بنات حزينات و أبناء مشردين و أقارب و أنصار و جمع غفير من المخدوعين به و بأنه الدولة و بأن الثورة ضده هي أم المصائب، و هؤلاء شركاء في البلد التي ننتمي إليها جميعا ً” ، قال :” ما أضاع البلد غيرك أنت و الفلسفة و التاريخ و النفاق” ، قلت له :” فعلاً يا صديقي”.

بالمقابل هناك من يعتقد أن عفاش بطل وشهيد و أنه دافع عن الجمهورية و البلد، و هذا النوع إما ملحوس أو “شلوه الجن و اتمطروا به” يا دولة يا جمهورية يا بطيخ.. خلاص لقد أنهى تاريخه بيده و أنهى حسنة الوحدة التي حققها بتحالفه مع عيال الشيطان الرجيم و الكلاب الضالة الذين يدعون أن اليمن ضمن تركة و وصية وصك مُنح لهم من السماء، هؤلاء يجب أن يصمتوا طويلاً كما أن على من يلعنوا عفاش الميت أن يصمتوا هم أيضاً، الصمت سيد الموقف بلا منازع إن كان تبقى للطرفين من عقل.

لم يعد انقلاب الهاشمية السياسية هو الوحيد الذي يخشاه الشعب فهناك مشكلات أخرى و معضلات لن تتوقف إن لم يتم توحيد الصف اليمني، اتركوا التاريخ يضع أحكامه و اهتموا بتوحيد جهودكم.

عفاش كتب نهايته بيده، فماذا عنكم هل تؤمنون أن كل منكم سيكتب نهايته بيده؟؟، البشر  قد لا يختارون البدايات – أو لا يحسنون اختيارها- لكن النهايات حتماً من صُنعهم، فليصنع كل واحد منكم نهايته .. “و رحمة الله خير من لعنة الله”.

شاهد أيضاً

مأرب.. 30 طالبة جامعية يختتمن دورة في ثقافة السلام

اقليم تهامة ـ مارب: خاص اختتمت اليوم في محافظة مأرب دورة تدريبية لـ 30 طالبة …