اقليم تهامة – احمد عبدالملك المقرمي
ذهب الرجل المريض ، و بذهابه الذي سبقه تربص و كيد المخططات الاستعمارية ، جاءت سايكس بيكو، التي كانت وبالا على الأتراك و على العالم العربي الذي تعامل بثقة ساذجة مع وعود الدول الاستعمارية، حيث دفع ثمن تلك السذاجة مرارة و حرمانا و تمزقا فرضته سايكس بيكو.
نعم، ذهب الرجل المريض التي كانت تخشى الدول الاستعمارية من أن يلتقط أنفاسه و يتجاوز أوضاعه و ظروفه و أمراضه، فعملت بكل قوة وسرعة على القضاء عليه.
ذهب الرجل المريض، و ها هو الرجل المعافى يعود، و ها هي عودته تتعزز سواء بسقوط الانقلاب الفاشل ودفاع الشعب التركي عن التحول الديمقراطي أو إصرار الشعب التركي في الانحياز إلى المشروع التركي الذي يترسخ .
لم يكن للأتراك تاريخ يذكر، إلا ذلك التاريخ الذي سجلته الخلافة الإسلامية العثمانية التي تبوأت فيه السيادة على العالم لخمسمائة عام أو أكثر، و الأتراك مثلهم مثل العرب الذين لم يكن لهم أي تاريخ أو حضور قبل أن يضعهم الإسلام على سلم المجد و العلم و الحضارة.
عندما تقاسمت الدول الاستعمارية تركة الرجل المريض، تنكرت تركيا لتاريخها و أسدلت ستارا حديديا على تاريخها المشرق، بل و اتخذت موقفا عدائيا منه . و كان ذلك أمرا في غاية الغرابة أن يتنكر شعب لتاريخه الناصع المجيد، و طيلة أكثر من سبعين عاما لذلك التنكر لم يستطع الأتراك أن يقدموا شيئا لشعبهم و بلدهم فضلا عن أن يكون لهم دور في المنطقة بعد أن كانوا هم من يمثل النظام الدولي السائد.
و هاهو الرجل المعافى يعود كمشروع يستمد من تاريخه زادا لينطلق به نحو المستقبل، بعد أن تصالح مع تاريخه، و أدرك كنه و حقيقة قوته.
إن أمة أو شعبا يتنكر لهويته و ثقافته و فكره و عمقه التاريخي، إنما يعمل على إضعاف نفسه و تدمير حاضره و مستقبله؛ لأن من أضاع هويته و تناسى تاريخه و تخلى عن فكره و ثقافته، إنما يصبح كيانا هلاميا مائعا تابعا قد ذاب في هويات و ثقافات تجرده من كل قوة، و تزرع فيه كل الأدواء و الأمراض و التخلف، فيتحول إلى مسخ لا يملك من أمره شيئا، و ما لم يتدارك أمره، كما يفعل الأتراك اليوم فسيتلاشى و يضمحل إلى أسفل سافلين .