كتابات ا احمد عبدالملك المقرمي
لن نتحدث من مُتَقَوْقَع صناع النكبة عن القضية الفلسطينية في الذكرى السبعين لنكبة الأمة، فذلك موقع الأنظمة التي ساهمت بصورة أو بأخرى بصناعة النكبة، و التي يحاول بعضها الفرار عنها بالتناسي، و البعض الآخر بالخذلان لها إن لم أقل الغدر بها.
ينبغي الحديث منذ اليوم و دائما و أبدا من منبر الشعوب، التي تمثلها المقاومة الفلسطينية تلك النقطة المضيئة، و الوهج المتلألئ في سماء عروبة ضيعت عروبتها.
لا يذهبن متعجل فيظن أنني أشير إلى من يسمون أنفسهم محور المقاومة و يضعون إيران – بكل حروف الزيف – رأسا لهذا المسمى، كلا و ألف كلا، لا أقصد ذلك؛ لأن إيران أشرعت حرابها، و استدعت أحقاد التاريخ ضد العرب و العروبة و ضد الإسلام.
و لا يذهبن آخر من العبيد المسحورين بإيران ليقول : أنني أشمت بها فيما تعرضت له من هجوم صهيوني، في ظل غياب أي تعاطف عربي و إسلامي، فأنا لا شمت، و لكن أتساءل التساؤل الذي- لا شك أن إيران تتساءله: و هو لماذا غاب تعاطف العرب و المسلمين؟ هذا التعاطف الغائب هو ما أعنيه بالتأكيد، و السياسة الإيرانية العدائية للعرب و المسلمين هي من أوصلت نفسها إلى هذا الخسران؛ على الأقل لدى المستوى الشعبي في العالم العربي و الإسلامي!
لقد غاب لسببين : بعدائها للعرب، و بتشويهها للإسلام بسعي حثيث لتقديمه كخرافات و طائفية مدمرة بهدف تعبيد الطريق لاستعادة إمبراطورية فارس.
لقد تعرت إيران موقفا و مصداقية، و تبعا لذلك؛ تعرت من أي تعاطف في العالمين العربي و الإسلامي.
و لكن لا ينبغي أن نكتفي بالنظر إلى أخطاء الآخرين، و نغض الطرف عن أخطائنا و خطايانا كعرب، فإذا كانت إيران قد تنكرت لمحيطها العربي و الإسلامي، فإن عالمنا العربي يتنكر نظامه السياسي للقوى الحية فيه، و يتنكر لإرادات الشعوب، و بدلا من الاستقواء بالشعوب و قواها الحية بمختلف مسمياتها، راحت تستجير بصداقات تبتزها و تستنزفها و تأخذ منها الباهظ و تمنحها الفتات.
الموجع – في المقابل – أن إيران تحاول اختراق المجتمع العربي و تتحالف مع مجموعات مجتمعية قليلة هنا و هناك – إن وَجدت – فإن لم تجد راحت تبحث عن خلايا تبث من خلالها سمومها، و تقف إيران – جهارا نهارا- تمثل لكل صنائعها غطاء سياسيا و داعما قويا بكل ما تستطيعه من وسائل و أنواع الدعم!
مثلما كان العرب بسبب تفككهم، و ذيليتهم للغير عامل قوة للكيان الصهيوني، هم بسياستهم تجاه شعوبهم و قواها الحية من منظمات المجتمع المدني بمسمياتها و درجاتها المختلفة، إلى جانب التفكك و الذيلية المستمرة؛ يمثلون- أيضا- عامل قوة لدولة إيران.
صناع النكبات لن يصنعوا تاريخا، و من يتنكر لتاريخه لن يصنع تاريخا؛ لأن من لا يصنع مواقف تاريخية مشرقة، يتنكر لتاريخ الأمة المشرق ؛ لأنه تاريخ يفضح التقزم.
ماذا جنى الأتراك حين تنكروا للخلافة العثمانية، و أداروا ظهورهم لتاريخ خمسمائة عام من الريادة و الحضارة بسبب التحريض الغربي ضد ذلك التاريخ؛ لأنه تاريخ ينتمي روحا و ثقافة و فكرا إلى الاسلام؟
هاهم الأتراك اليوم يتنبهون للتغييب الثقافي و الفكري الذي استهدفهم قرابة قرن من الزمن؛ ليعيدوا التواصل و بتركيز مع تاريخهم و ثقافتهم و حضارتهم التي كانت فصلا ناصعا من تاريخ أمة الإسلام، دون إغفال فترة الضعف التي لا تقلل من شأن تلك الحضارة و لا تنهض أبدا لتكون مبررا للتنكر .
من رحلة الإسراء إلى الأرض المباركة فالمعراج كانت فرضية الصلاة، روح الأمة، و من الأرض المباركة انطلقت الانتفاضة الفلسطينية و جهاد المقاومة الفلسطينية فكانت ثورة الربيع العربي.
واهم من يظن أن هذه الأمة ستموت، سيتردد الأذان عاليا مدويا في كل الأنحاء، و سنهتف باعتزاز: الله أكبر.. الله أكبر، و سيرددها الأقصى و كل مكان، و لا نامت جفون العبيد.