أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات /  خلال سنتين عجاف .. اقتصاد مُنهار وبلد على حافّة الإفلاس والمجاعة 

 خلال سنتين عجاف .. اقتصاد مُنهار وبلد على حافّة الإفلاس والمجاعة 


لا استراتيجية وطنيَّة لدى الميليشيا سوى التسوُّل

و المحويت البطلة تتسوَّل للبنك المركزي اليمني
   بقلم/ رائد المجد
وسط جمهور قليل من الموظفين وطلاب المدارس الذين تم جلبهم إلى أمام مبنى مكتب بريد المديرية اخذ وكيل المحافظة لشؤون الأمن يُلقي كلمة أمام الحاضرين تُغذي مخاوفهم من الآخر (العدو) الذي يسعى في خراب البلد وتمزيقه.  كان صوته يرتفع تدريجيًا عندما وصل إلى دعوة المواطنين إلى دعم البنك المركزي، فطِن (عبدالكريم عاطف) الذي عُيِّنَ مؤخراً مع آخرين وكيلاً للمحافظة إلى استخدام كلام عاطفي يستدرّ مشاعر وأحاسيس الحضور ، ويُلهِب حماستهم.

قال إنَّ الطلاب الذين جادوا بمصروفهم اليومي في سبيل الوطن قد عزَّزوا قدرات الصمود والتحدِّي لمواجهة العدوان الغاشم ! أخذ يتغنَّى بوطنيَّة الطلاب الذين ينتزع أباؤهم بعض المال من دماء قلوبهم ليمنحوه فلذات أكبادهم؛ فتضن عليهم الميليشيا وتمدّ أيديها لتنتزع من جيوبهم هذه الملاليم ! يعود الصغار – كل يومٍ- إلى منازلهم جوعى بأحلامٍ موءودة في ظلّ ميليشيا استحالت الدولة في كنفها إلى مجرَّد حصَّالة تلتهم مصروفهم اليومي لتمحنهم صكوك الوطنية التي لا تُسمنُ ولا تُغني من جوع. 

هكذا تحوَّلت الميليشيا بعد سنتين عجاف، سعَت فيهما لفرض حكمٍ جبري، يستقوي بالسلاح والعنف؛ ليصادر خيارات الناس وخيرات البلد إلى جيوب شلّة فاسدة ، تتغذّى على الحروب لمراكمة ثروات شخصية هائلة حتى أن طائفيين صغارًا صاروا بارونات تملك ناطحات سحاب وأرصدة مالية مهولة. 

*  نقطة البداية

من واقعٍ هشّ يسِمْ مرحلة ما بعد الثورة، ومحيط اقليمي مُعادٍ للإسلام السياسي وخيارات الشعوب الديمقراطيَّة، وجوارٍ عربيٍّ مُرتابْ من كل ما يمتّ للثورة والديمقراطية بِصلة، وما يشبه انقسام مجتمعي ترعاه الدولة العميقة؛ اهتبلت ميليشيا الحوثي هديَّة السماء بإعلان حكومة الوفاق رفْع الدعم عن المشتقَّات النفطّية ؛ لتهييج الشارع من اجل الانقضاض على الدولة ومؤسساتها ورمزيتها وايراداتها؛ رفعت الميليشيا قميص عثمان (الجرعة) وزيادة 1000 ريال في (سعر البنزين) لتحقيق حُلمها باستعادة الاماميَّة ورهْن البلد لامبراطورية فارس !

لم تمْضِ سوى أيامٍ على اسقاط الدولة حتى هرولت بالبلد نحو الهاوية؛ فسادٌ ينهش أوصال الدولة بشكل يفوق كل تصوُّر واقتصادٌ منهار ووضعٌ لا يُطاق، توقَّفت عجلة التنمية وشُلّ الاقتصاد وتوقف الانتاج وضُرِب قطاع السياحة في مقتل؛ تحوّل اليمن إلى سو ق سوداء، و تناسلت أزمات انعدام النفط ليصل سعر دبة البنزين آفاقًا غير مسبوقة !

*  شبح الامامة والمجاعة

في هذا الوقع الذي نغَّص معيشة اليمنيين وسحَق الطبقة الوسطى وهوى بملايين اليمنيين إلى تحت خطّ الفقر؛ كان ثمة فئة طفيلية تتربَّح وتستفيد من هذا الوضع؛ هي فئة قيادات الميليشيا التي لها الحقّ في بسط يديها على الأملاك العامة والخاصة، يتقاضى المشرف الحوثي مبلغ (400) الف ريال في وقتٍ تُغرقنا مواقع التواصل بصور يمنيين غدو هياكل عظمية تُعيد إلى الأذهان واقع اليمنيين في ظلّ حُكْم الإمامة قبل ما يزيد على نصف قرن !

يتقاضى المشرف الحوثي الذي لا يحمل أي مؤهل مئات الآلاف في وقت يتداول الناس قصصًا لدكاترة وحملة مؤهلات عليا ضاقت عليهم الأرض فلجؤوا إلى أعمال شاقَّة كبناء المنازل أو بيع الآيسكريم، ومُوظفين باعوا كل أملاكهم ليُعيلوا أسرَهم ، وأُسَرًا تموت بصمت دون أن تسأل الناس إلحافا

بعد سنتين؛ فإنّ على الموظف الذي أوقفت الميليشيا راتبه أن يتبرَّع لدعم البنك المركزي؛ وإلا فإن وطنيَّته مشكوكٌ فيها، وهو بالضرورة داعشيًا أو مرتزقًا يوالي العدوان ، وعليه أن يتهيَّأ ليقضي مستقبله في أحد معتقلات الامامة التي صار عددها في عهد الميليشيا يتجاوز عدد المدارس

* بطن الميليشيا لا تشبَعْ

منذ الأيام الأولى لفرض الحوثي بمساندة المخلوع حُكْم  الأمر الواقع وضعت الميليشيا ايديها على الاقتصاد والضرائب والجمارك وايرادات البلد، أغراها الجشع فاستحوذت على أجزاءٍ كبيرة من القطاع الخاص ، سيطرت على الجمعيات الخيرية وسرقت أموال اليتامى والجياع ، هروَلت حدّ سرقة أدوية المرضى المجانية وبيعها في الصيدليات، بعد أن باعَت التحف والمخطوطات والآثار.

مَن بنك اليمنيين كانت الميليشيا تنتزع شهرياً (25 ) مليار ريال يمني، نهبَت الودائع وبدّدت الاحتياطي بنهْبْ أكثر من 3 مليارات دولار لتمويل حروبها ضد اليمنيين؛ حتى استيقض اليمنيُّون على شبح مجاعة تُطلّ برأسها بقوُّة، وانتبهت الحكومة الشرعية متأخرة إلى نقل البنك المركزي من صنعاء الواقعة تحت سلطات الاحتلال إلى عدن المحرَّرة فسحبَت القرار النقدي الذي مثَّل شرعيتها في عيون الموظفين وكان موردها الأهمّ لتمويل نفقات حروبها في كلِّ اتِّجاه 

لم يكُن لدى الميليشيا خلال سنتين عجاف أيّ استراتيجيَّة سوى استراتيجية (التسوُّل) التي صارت مؤسسة وسياسة قائمة بذاتها تُنفّذ وفق خطط بعيدة وقصيرة المدى ومراحل مُزمَّنة ويشرف عليها الخبراء وتخضع للتقويم والتطوير وصولاً إلى لقمة الفقير والمُعدَم

*  المحويت البطلة تتسوَّل للبنك

في محافظة المحويت يقف وكلاء المحافظة المعيَّنين من الحوثي – وتغصّ بهم المحافظة حدّ التخمة – ومدراء المكاتب التنفيذية وأعضاء سلطة الانقلاب بالمحافظة فوق مكاتبهم خلال اجتماع يناقِش آليات جمع التبرُّعات من المواطن الفقير 

من فوق المكاتب الوثيرة في صالة الاجتماع يجلس هؤلاء الانقلابيُّون ببدلاتٍ فاخرة – وبعضهم بربطات عنق – تُخفي بداخلها مُتسوِّلين بدرجات وكلاء محافظة ومدراء عموم تنفيذيين، يرفع أحدهم كلتا يديه مؤدِّياً حركاتٍ لا إرادية ليُقنِع الحاضرين، مُتحدثًا بحماسة لافتة عن ضرورة رفد البنك المركزي بالأموال مُقترحاً على الحاضرين إقرار خصْم قسط يومين من راتب كل موظفي المحافظة.

يهزّ البقية رؤوسهم موافقين على هذا القرار العبقري ؛ ويأخذ ثانٍ ناصية الحديث ليلفت انتباههم إلى أنّ الدولة قد تعجز عن دفع المرتَّبات ، ولذا لابد من التفكير بآليات أخرى لدعم البنك؛ ويقترح توزيع المهام بحيث يتولَّى كل وكيل محافظة مهمَّة الحملة الوطنية لدعم البنك في إحدى المديريات بمعاونة آخرين، من خلال احياء الفعاليات الجماهيرية وتشكيل فرق ميدانية للذهاب لجمع التبرُّعات من البيوت والمحلات التجارية ومن طلاب المدارس والمؤسسات الصحيَّة.

*  استراتيجيَّة التسوُّل

تتهلَّل أسارير المجتمعين من هذا الطرح الذكيّ؛ ويشرد أحدهم ليبدأ يضرب أخماساً في أسداس ويغرق في تفاصيل حسابية معقدة عن الأموال التي ستتدفَّق من مواطنيّ وتجار وموظفيّ المحافظة، ولا يُوقظه من شروده إلا ضربات قوية ليدّ أحدهم الذي قدَّم مداخلة بدأها بالقول : إنَّ اليمن هي ارض المدَد من زمن الرسول ، النصر حليفنا، ثم هوى بيده ليطرق الطاولة بعنف مُتابعًا : إنّ العدوان يستخدم آخر ورقة له، وهي الحرب الاقتصادية، لكن هيهات منَّا الذلَّة، هيهات منَّا الذلَّة !

يؤكّد آخر إنّ اقناع المواطنين بدعم البنك المركزي ليست مسألةً هيِّنة، بل لابدّ من خلق الدوافع والحوافز لاجتذابهم نحو القيام بالتبرُّع للبنك المركزي؛ مقترحًا على الحضور أن تُدعى القنوات الفضائية  – الانقلابية -لتغطية الحدث بعد أن يقوموا هم بالتنسيق مع مسؤولي البريد لإعطاء مبالغ مالية لزوم التصوير ، والتنسيق مع جنود الأمن للحضور بزيٍّ مدني صباح الفعالية والقيام بالتبرُّع بالفلوس التي تُسلَّم لهم قبل التصوير ، وستقوم القناة ببثّ تصريحات لهؤلاء الجنود يتحدَّثون عن تلبية الواجب ودعم البنك من اجل النهوض بالاقتصاد.

*  دعم البنك .. واجب الوقت

ويرى آخر أنّ مسألة دعم البنك المركزي هي قضيَّة وطنيَّة بامتياز ، ينبغي أن لا تُترك لرغبات المواطنين والتُجَّار ؛ بل يجِب أن تفرض بالقوَّة، مشيرًا إلى أنَّه يُوصي بتشكيل فرق تتردَّد على البيوت لأخذ التبرُّعات ومن يرفض يُتَّهم بالعمالة ومُوالاة العدوّ والتآمر على اقتصاد البلد ، إضافةً إلى ضرورة أن يُقرّ مبالغ مالية (لا تقلّ عن 500 ريال) على كل غرَّام في كل المناطق والعزَل بمديريات المحافظة ، وفرض مبالغ مالية (50 – 100ريال) على كلّ طالب. ويقترح ثالث بعقد دورة تدريبية يُدعى لها جميع خطباء كل مديرية على حده ، لدعوة الناس في خطب الجمعة الى التبرع من اجل الوطن ودعم البنك المركزي.

من الطرف الآخر يتحدَّث آخر أنّ الحملة سُتواجه بالتخذيل من قبل البعض الذين سيسألون عن سر عدم صرف رواتب الموظفين؛ ولذا فإن مقترحه أن يُفعَّل دور الجواسيس في كافة العزل بالمقايل أو بمواقع التواصل الاجتماعي ؛ من خلال رصد كل من يتساءل عن الراتب لضمُّهم في القائمة السوداء للمرتزقة والخونة باعتبار من يسألون عملاء لآل سلول ومُرجفين يسعون لإثارة الفوضى والقلاقل!

* التسوُّل .. رهان الخاسرين

يقوم الأسياد الحوثيون بالاشراف على الحملة الوطنية لدعم البنك ويتركون العمل الميداني على كاهل المشايخ والوجاهات والعقال العفاشيين الذين تحوَّلوا في عهد الميليشيا الى متعهِّدي صدقة وجمع تبرُّعات

بعد أنْ ينفّضّ الجمع من فعاليات التبرُّع يأخذ قادة الميليشيا تلك المبالغ فيمنحون عناصر عفاش الفتات ، ويودعون مبالغ كبيرة الى حساباتهم الشخصية ؛ حيث أرسل مشرف الحوثيين بالمحافظة (أبو عقيل ) أحد مقربيه لتحويل مبلغ مليون ريال الى حسابه الشخصي بحسب أحد المتحوِّثين ؛ وتُرسل بقية المبالغ الى قيادة الحوثي بصنعاء لتمويل حروبها ضد اليمنيين في كل الجبهات ؛ أما الموظف الذي يعود  من التبرُّع للبنك المركزي مُرغَمًا فسيُصدَم عندما يدخل في شِجار مع التاجر الذي يرفضأن يبيعه أسطوانة الغاز أو كيس البرّ بالآجل.

 في حين يعود الطلاب من مدارسهم خماصًا بلا طموحات وبداخلهم غلٍّ كبير تجاه الميليشيا التي تسرُق أحلامهم وما في جيوبهم وتمنحهُم شعورًا زائفًا بالوطنية. وطنيَّة الأسياد والعبيد !

وكلّ هؤلاء لن ينخدعوا ولن يصبروا كلّ الوقت بل سينفجروا ذات يومٍ ويخرجون في ثورة جياع؛ ليقطعوا اليدّ التي تمتدّ الى مصدر أرزاقهم

 ​______________

تابعونا على التليجرام 👇 

http://ⓣelegram.me/Mtehama

شاهد أيضاً

ستشرق شمس صنعاء من أرض غزة

اقليم تهامة ـ ياسر ضبر تتحكم المخابرات الأمريكية والبريطانية بنظام الحكم الايراني، بل وتتربع عناصرها …