الرئيسية / الأخبار / أخبار محلية / العدوان الحوثي على مأرب …. من أول طلقة حتى التباكي في شوارع صنعاء لوقف التصعيد “تقرير”

العدوان الحوثي على مأرب …. من أول طلقة حتى التباكي في شوارع صنعاء لوقف التصعيد “تقرير”

اقليم تهامة ـ عبدالرزاق قاسم

منذ شن الحوثي عدوانه الأكثر وضوحا على اليمنيين في ٢٠١٤ بعد انقلابه المسلح، واستيلاءه على دولتهم ومؤسساتهم وحياتهم العامة والخاصة، كانت الحرب أواخر العام ٢٠١٩ تقترب من نهايتها أكثر من أي وقتٍ مضى.

ميدانياً.. كانت أغلب جبهات الجيش والمقاومة قد دخلت مرحلة ما يمكن وصفها بالجمود الكامل؛ نتيجة ضغوط دولية أوقفت تقدمهم في نهم والحديدة وتعز وهم على مرمى حجر من تحقيق انتصار حاسم على مشروع الحوثي المدعوم من إيران، والمعبر عن طموحاتها في بسط نفوذها على كامل منطقة الجزيرة والخليج.

وعلى المستوى السياسي كانت تحركات المبعوث الأممي وجولاته المكوكية بين العواصم ذات الصلة بالملف اليمني لا تتوقف، وتصريحات كثيرة تُبشر بقرب التوصل لتسوية سياسية تُوقف الحرب في اليمن بشكل نهائي.

غير أن تلك الفرصة أُهدرت في لحظة وهمٍ حوثية عززها تمكن مليشياته من الوصول إلى مواقع عسكرية في جبهة نهم مطلع العام ٢٠٢٠، شكلت تهديداً على مواقع الجيش الوطني هناك؛ أدت إلى اتخاذ قرار بالتراجع إلى مناطق الجدعان؛ لإعادة تنظيم مسرح العمليات القتالية، وقد كانت ثغرة ما كان للحوثي أن يخترقها لولا عوامل كثيرة أثرت على موقف الجيش في نهم، وكل محاور القتال ليس أولها انقطاع المرتبات ولا آخرها انعدام التسليح المطلوب للمعركة.

علاوةً على الضغوط الخارجية وتحكم المسار السياسي والحسابات المتباينة بالحرب أكثر من المسار العكسري والميداني.

فشل في استثمار التراجع من نهم

بعد تراجع الجيش ( وهو أمرٌ طبيعي بالنظر إلى مقدماته) كان بإمكان الحوثي إسقاط مارب حينها، فما بعد الفرضة كانت مناطق كلها لصالحه حسب الطبغرافيا العسكرية، وتفوقه في سلاح المدرعات، وهو سلاح حاسم ومهم في مثل تلك المناطق.

حاولت مليشياته مراراً التقدم في الجدعان، لكن أغلب محاولاتها فشلت وتحطمت جحافلها بنيران الجيش والقبائل المدعومين بطيران التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، وقد لحقت بمليشياته خسائر فادحة يعرفها سكان المناطق الواقعة تحت سيطرته الذين شاهدوا ويشاهدون مواكب تشييع قتلاه على مدار الساعة.

الحال هذا أثبت بشكل فاضخ فشل الحوثي في استثمار المنجز الذي حققه في نهم، وعجزه عن دخول مارب عكس ما تصور الناس. الذين اعتقدوا أن قدراته هيَّ ما أدت لانسحاب الجيش من نهم، وأن الطريق إلى مارب بات مفتوحاً أمامه، وهذا تصور مضلل بناه الحوثي بشكلٍ ذكي وممنهج؛ نتيجة ضخ إعلامي مخادع استهدف المواطنين الخاضعين لسطوته؛ بهدف استجرارهم للقتال معه والاصطفاف وراء مخططاته.

بدائل فاشلة وخسائر فادحة

بعد كل الخسائر التي تكبدها في الجدعان لجأ الحوثي إلى مهاجمة مارب من مناطق كان ما يزال يسيطر عليها منذ ٢٠١٥، وهي مناطق الكسارة والمشجح وصرواح.

غير أن ما لاقاه في هذه المناطق كان أشد فتكاً وأكثر فداحةً مما لاقاه في سابقاتها، وتحولت منطقة الكسارة بالتحديد إلى ما يشبه الطاحونة التي تسحق كل من يرميهم الحوثي للموت من أبناء البسطاء والمساكين ومن ساروا وراءه طمعاً وخوفاً وغباءً.

تخبط وتغطية

تبددت آمال الحوثي وتبخرت أحلامه على أسوار مارب، ما دفعه للبحث عن ميادين أخرى وافتعال معارك يكون فيها الطرف الوحيد والمنتصر في نفس الوقت، عل ذلك يعيد له القدرة على الاستمرار في خطابه التضليلي الهادف لتحشيد البسطاء.

كان اختياره على مديريات في البيضاء لا يسيطر عليها أحد منذ بدء الحرب، وليس فيها أي تواجد لقوات الجيش، وجآءت نتائج تلك الخديعة مشجعة له على مواصلة الفكرة، وتوجه نحو مديريات في شبوة وأخرى في مارب ( في بعضها تواجد محدود للجيش) وهذه المرة استطاع الوصول إلى مناطق جنوب مارب؛ ليست أكثر خطراً على المدينة من تلك التي يتواجد بها في الشمال، لكن الجيش وبترتيبات سريعة تمكن من وقف تقدماته، وتطوير الموقف لصالحه من الدفاع إلى الهجوم كما هو حاصل الآن في جبهات أم ريش وحريب.

محرقة موت

بحسب وكالة فرانس ٢٤ نقلاً عن قيادي حوثي كبير فإن ما يقارب من ١٥ ألف عنصر من مليشياته لقوا مصرعهم في مارب خلال الخمسة الأشهر الأخيرة، وهذا رقم يكاد يكون الأكبر خلال فترة محددة كتلك المشار إليها منذ بدء الحرب.

رقم ضخم كهذا ومثله مرتين على الأقل جرحى ومعاقين يتحمل عبدالملك الحوثي كامل المسؤولية عن دفعهم إلى محرقة الموت التي أشعل نيرانها، وأوصل الحزن والألم إلى قلوب الأمهات والأطفال المفجوعين بمصرع أو إصابة ذويهم في معركة لا مصلحة لهم فيها، وإنما لتحقيق مصالح الإيرانيين الذين عبروا بكل وضوح بأنها معركتهم، وحضروا فيها سياسياً وعسكرياً بشكلٍ قوي ومعلن.

استنفار يتحول إلى ضغط

استنفر الحوثي كل قدراته البشرية والمادية والتسليحية والاستخباراتية في عدوانه على مارب، ورمى بكل ثقله خلف هذه المعركة، بداءً بحشد المقاتلين بشتى الطرق والوسائل، ومروراً باستخدام إمكانيات الدولة التي يتحكم بها كالاتصالات وأجهزة التنصت، وكذلك الفرق التي شكلها للتواصل بالمقاتلين في مارب للضغط عليهم من أجل ترك القتال، وليس انتهاءً بضرب الأحياء السكنية ومخيمات النازحين بالصواريخ والمُسيرات التي زودته بها إيران.

إلا أن كل ذلك المجهود الذي صاحبه خطاب مرتفع يرقى إلى مستوى اليقين بقرب اسقاط مارب، ارتد إلى صدره وعاد ليشكل ضغط داخلي عليه سواءً بين صفوفه أو في المناطق التي يسيطر عليها، نتيجة الإخفاق الكبير والخسائر الفادحة في مارب.

تعالٍ نهايته التباكي

التعالي الذي أبداه الحوثي في هذه المعركة كان لافتاً، وقد هدف من وراءه إلى إضعاف معنويات من يواجهه من خلال إظهار ثقة عالية بقدرته على الحسم، وهو سلوك أثار مخاوف أغلب اليمنيين؛ مما سيلحق بهم لو أنه تمكن وأسقط مارب، كما أثار مخاوف الجيران، وأدى إلى مايشبه الإجماع على ضرورة إعادة التعامل معه بالوسائل التي يفهمها.

وفي لحظةٍ فارقة كان يترقب فيها أنصاره بيان النصر في مارب حسب التعبئة التي أدخلها عقولهم وخطابه التضليلي تحول ذلك الخطاب المتعالي وبشكل صادم. إلى خطاب استعطافي ومسيرات وتجمعات في الشوارع تتباكى على ما أسموه التصعيد، في محاولة جديدة لمخادعة الناس الذين كان يدفعهم حتى ساعات إلى قتال إخوانهم في مارب.

وهذا مشهد يكرره الحوثي للمرة الثانية، وجميعنا نتذكر تلك الانتفاشة التي أبداها بعد اسقاط صنعاء، حين كان يرسل مليشياته في الجهات الأربع لاجتياح المحافظات والمدن اليمنية، ونتذكر المناورة الشهيرة التي أقامها على الحدود مع السعودية في منطقة البقع، وحين قاومه اليمنيون ومنعوه من اجتياح قراهم ومدنهم وساندتهم السعودية؛ نتذكر كيف عاد للتباكي والصراخ مما أسماه العدوان وهو الذي شنه أولاً على الشعب اليمني.

انتكاسة سياسية

ربما حصل الحوثي على ضوء أخضر دولي بداية عدوانه على مارب، ما أدى لتضخم كبير في حالة الوهم والغرور الذي دخل بها المعركة، لكن المؤكد اليوم أنه وصل إلى طريق مسدود ميدانياً وسياسياً.

وقد أصبح فشله وعجزه عن الاقتراب من سور مارب العظيم واضحاً، وغير خافٍ على أحد في الداخل والخارج ما يضع الجميع أمام أمر واقع جديد لابد من التعامل معه.

مثل كل التقديرات التي تحكمت بها أوهامه بالغ الحوثي في تقدير الموقف السياسي الذي سيصل إليه من معركة مارب، وذهب لطرح كثير من النقاط والمطالب أغلبها يندرج في إطار التكتيكات الخادعة، واشترط الكثير من التنازلات مقابل وقف المعركة كما قال، لكن الصمود السياسي شكل سنداً مهماً للصمود العسكري على الأرض، وقوبلت كل مطالبه واشتراطاته برفض كلي من قبل الشرعية والتحالف.

وعلى صعيد المواقف الدولية المعلنة فقد وضع الحوثي نفسه في مواجهة مباشرة مع أطراف دولية فاعلة، بما فيهم من يُعتقد تعاونه معه وأدخل الجميع في حرج نتيجة عجزه عن حسم المعركة، وبالتالي ظهوره كطرف يتعالى على كل جهود السلام، ناهيك عن استخفافه بكل المناشدات الداعية لتجنيب المدنيين مخاطر الهجمات التي يشنها بشكل مستمر وبالذات الصاروخية منها.

هذا السلوك الحوثي قاد في النهاية إلى بلورة مواقف دولية ضده؛ أسفرت عن عقوبات طالت بعض قياداته، وكذلك مراجعات في مواقف أطراف مؤثرة ترقى بعضها إلى قناعة بضرورة إعادة النظر في آليات التعامل معه، ودعم أي خيارات فاعلة لكبح جماحه وتهوره.

وعلى الأرجح ستكون هذه المواقف في محصلتها مدخلاً لتخفيف بعض القيود المفروضة على حركة الجيش.

وحتى تتهيأ الفرصة وتكتمل الإعدادات لمعركة الخلاص معه، يكون الحوثي بهذا العدوان البربري على مارب قد أطلق النار على نفسه وألقى بجسده في سعير النار التي أشعل فتيلها.

نتيجة غير محسوبة

الأكثر مرارةً على الحوثي من هذه المعركة التي أشعلها ولم يحقق فيها أي نتيجة تذكر، هي شعوره بأنه فتح مساراً جديداً للحرب بعد أن كادت تتوقف لولا تعطشه لسفك دماء اليمنيين، وهي النتيجة التي لم يحسب حسابها على ما يبدو.

ومن غير المعقول أن يستأمنه اليمنيون مرة أخرى وقد أبدى ذلك القدر الهائل والمرعب من الدموية، وهو يقصف مخيمات النازحين بصواريخ إيران البالستية، ومن المؤكد ألَّا تستقر حياة لكل الأحرار إلا بعد إزالته ومشروعه التدميري القائم على خليط من الخرافة والوهم والأحقاد والأطماع.

شاهد أيضاً

ورشة تدريبية لمكون السلم المجتمعي بمأرب حول أساسيات التخطيط الاستراتيجي

اقليم تهامة ـ مأرب- خاص بدأت اليوم في مدينة مأرب، ورشة عمل تدريبية لأعضاء مكون …