اقليم تهامة – كتابات / أحمد عبد الملك المقرمي
فيما كانت عدن يوم 28 نوفمبر 1967م. تتزين مغمورة بالفرح و السرور، و تستعد لإعلان الاستقلال و طرد آخر جندي بريطاني منها؛ كانت صنعاء تواجه جحافل الحقد الإمامي و حصار الملكيين الذي بدأ في هذا اليوم.
كانت أعداد من المرتزقة الأجانب، و من جنسيات مختلفة، يعملون جنبا إلى جنب في قيادة العمليات العسكرية مع الملكيين، و بالمناسبة كان منهم إيرانيون أيضا، و كما تدفقت أموال طائلة – بحسب تعبير أنور عشقي – للحوثيين، و توفير معدات لهم قبل و بعد وصولهم إلى عمران، كانت هناك أموال و مرتزقة عسكريون أجانب يعملون- كما أسلفنا – مع الملكيين.
كان الصف الجمهوري قبل الحصار، قد دبّ في صفوفه بعض الخلاف، لكن الرجولة و النقاء الثوري كانتا صفتين ملازمتين لهم، و كان الهدف الأسمى يتمثل بضرورة انتصار الثورة و ترسيخ النظام الجمهوري ؛ ضرورة لا تقبل المساومة أو التفريط، فترك الجميع خلافاتهم الثانوية جانبا، و وقفوا صفا واحدا و في خندق واحد هو خندق المواجهة للملكيين و من وراءهم.
لم تستدرجهم الخلافات الثانوية إلى حافة الخذلان للطعن بالشريك أو التربص به مكايدة أو انتقاما، أو تزلفا لمشيئة خارجية عبودية لها، أو ترزّقا بما عندها ؛ لأن أولويات الهدف كانت راسخة عند أبطال السبعين، لم تستطع معها الإغراءات أن تحرفهم عن أهدافهم.
لا سواء بين ثورية التنظير، و ثورية العمل، و لا سواء بين عنتريات اللسان و بطولة الفعل في الميدان، و لا سواء ألبتة بين من يوجّه قلمه وبندقيته نحو العدو، و بين من يسخّر قلمه و لسانه لقصف نفسه و صفوف إخوته .
تجمّع الملكيون بحشود كبيرة، و عتاد و جاهزية، و وقف الجمهوريون، بصدق و عزيمة، و استماتة و مرابطة، فكان النصر و كان الظفر .
و إذا كان هناك من ينهزم – اليوم – للدراهم و الدولارات ، فيتعيّش على حساب الوطن و المواطن، و على حساب المبدأ و الموقف، فيُهادِن عدوا تربصا بصديق، أو يُقرّب خصما نكاية بأخ؛ فإن الأمس الغابر قد كانت إغراءاته القطع الذهبية التي نزلت بقوة لشراء الذمم و تغيير المواقف، لكنها وجدت أكفّا لا تمتد لسحت، و نفوسا لا تبيع مبدأ، و صفوفا لا تفرط بموقف، كما واجهت صفا رصّ جموعه، و حشد طاقاته، و وجه الطلقة و الكلمة نحو العدو، و لا أحد سوى العدو .
و إذا كانت الإمامة تعيد- اليوم – تكرار حشد جحافلها، فهاهم أحرار الصف الجمهوري يرصون صفوفهم في مواقع الشرف و ميادين البطولة يعيدون بألق جديد مواقف و بطولات رجال السبعين، بعزم لا يكل، و إرادة لا تلين . وانتصرت الثورة و الجمهورية، و سقطت الإمامة الطاغية بصف ترفّع عن المناكفات، و ضمائر استعصت على المساومة، و بهمم أبت إلا الصمود و المقاومة .
أرادوا الحياة لوطنهم و أنفسهم، فحصنوا الوطن بالثورة على الطغيان، و حفظوا حياتهم بالمقاومة و الإقدام :
تأخرت أستبقِ الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما
عندها تكسرت فلول الإمامة، و تحطمت المؤامرات، و انهزم الذهب و البارود . و ستنتصر اليمن من جديد بالإرادة نفسها، و العزيمة ذاتها، و بصف متراص يعرف عدوه، كما يعرف إخوانه، و ستتوجه الجهود نحو تحقيق الغاية و إنجاز الهدف :
إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
أحمد عبد الملك المقرمي