أخبار عاجلة
الرئيسية / الأخبار / أخبار محلية / عالمٌ في وجه الجبروت

عالمٌ في وجه الجبروت

اقليم تهامة – احمد عبدالملك المقرمي

كان من أنجب من أخذ عن الصحابي الجليل عبدالله بن عباس- رضي الله عنهما – إن لم يكن أنجبهم على الإطلاق. و كما كان باعه طويلا في الفقه ؛ كان مدرسة في التفسير.

   أخذ العلم عن عدد من مشاهير الصحابة، فهو تابعي، و إن لازم ابن عباس كثيرا. لكن منهج حياته و مقتضى رسالته في الحياة إنما تشربها من القرآن الكريم و المنهج النبوي القويم.

   كان مدرسة قائمة بذاتها، لم ينكفئ على نفسه، و لا انقطع الى درسه أو دروسه، مديرا ظهره للشأن العام، بل خاض في الشأن العام، و تبنى أهم قضايا مجتمعة، فكان رجل عامة – بمصطلح تلك الفترة – و هو ما يعني الاهتمام بقضايا المجتمع و الأمة.

   لم يكن ظلم الحجاج خافيا، و لا كان بطشه محدودا، و في المقابل كان هناك عدد من الفقهاء لم تبتلعهم الصفوف الخلفية، و لا تواروا عن مواجهة الظلم و البطش؛ لذلك لا عجب أن تسمى الثورة التي شارك فيها سعيد بن جبير بثورة الفقهاء؛ لأن جل من قادها هم العلماء، في مواجهة ظلم الحجاج و تغول بطشه؛ لرفع الظلم عن العباد و تحرير البلاد من مظالم سياسية انحرفت بالمسار السياسي للدولة بعد أن عطلت الشورى، و ورثت الحكم، و استأثرت بالسلطة و المال.

   لا يطيق الطغاة الفكر المتنور، و لا الموقف المتحرر، فيضيقون ذرعا بأصحابها، ثم لا يرعوون أن يلحقوا بعظماء الأحرار كل تهمة و يرمونهم بكل نقيصة، فوق ما يتظاهر الطغاة للشعب كافة أنهم أحرص عليه، و أن القرارات تصدر من لديه ، ألم يزعم فرعون و هو يتقمص شخصية المسؤول الناصح الحدب على قومه؛ فيستمد منهم الأمر( ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد )!

   هكذا بكل معطيات الزيف يتظاهر فرعون بحرص شديد، و خوف متناهٍ على الدين مخافة أن يضر به موسى، بل و يدعي مخاوف أخرى يقوم بها النبي موسى – عليه السلام – فينشر الفساد في الأرض!

   قمة السخرية و استغفال الشعب، و قمة الزور و الخداع و التضليل.

   لقد ضاق فرعون ذرعا برجل، فنادى في الشعب 🙁 ذروني أقتل موسى) مع أن الشعب مغيب هنا، و لكن يقتضي التضليل أن يتراجع الطاغية – ظاهريا- خطوة إلى الوراء فيصور القرار و كأنه بيد الشعب بهدف تمرير الجريمة ليس إلا، ثم ينال الشعب- نفسه-  مغبة الصمت و التأييد الساذج.

   و لم يكن الحجاج بعيدا عن هذا المسلك الجائر القبيح، فما هي إلا أن تعثرت ثورة الفقهاء في العراق يومها، حتى راح يغمس يده في الدم إلى أقصى مدى، فبطش و نكل، و شرد و قتل، حتى إذا ما قال قائل ممن ألقي به في السجن ظلما و عدوانا: أنه لم يرتكب خطأ، فيتم التحقيق، فتكون نتيجة التحقيق أن ابن عمٍ له من شارك في الثورة و ليس هو، فقال له الحجاج، عليك أن تتحمل وِزْر ابن عمك، فيتظلم الرجل : و ما ذنبي أنا ؟ فيقول الحجاج، أوَ ما سمعت الى قول القائل  :

     و لرب مأخوذٍ بذنب قريبه       و نجا المقارفُ صاحب الذنب

   و لئن تراجع الحجاج بعد سماع حجة الرجل المتظلم الذي قال : ماسمعت بهذا و لكنني سمعت قول الله عز وجل: ( ولا تزر وازرة وزر أخرى)، فتراجع الحجاج، لكن طغاة اليوم لا يتراجعون، حتى ليجبروا لسان حال المجتمع إلى أن تقول: يا الله ذهب من كل شيئ أحسنه حتى الطغاة !!

   أعمل يومها الحجاج سيفه بنزق و بطش و غلظة، و قبل أن يلقي القبض على سعيد بن جبير، و حتى عند محاكمته، تسلل اليه محبون، و مشفقون، يطلبون منه أن يختفي، و حين المحاكمة أن يستلطف الحجاج و يستجديه، معللين إشفاقهم أن الامة بحاجة إلى علمه، فرفض سعيد كل تلك النداءات و رد عليهم بلسان الحال و المقال : إن الناس بحاجة إلى من يعلمهم قول الحق و الثبات عليه.

   و قتل سعيد بن جبير و ما من أحد في الأرض إلا وكان بحاجة إلى علمه، كما قال الإمام أحمد بن حنبل فيما بعد .

   و فيما سجل التاريخ مجد و عظمة سعيد بن جبير كعالم عامل، ثبت على الحق و المبدأ و نصرة المظلومين؛ فإنه سجل في المقابل جرائم الحجاج و جبروته و طغيانه، و سقوطه المرّ الذي تلا استشهاد سعيد.

شاهد أيضاً

ستشرق شمس صنعاء من أرض غزة

اقليم تهامة ـ ياسر ضبر تتحكم المخابرات الأمريكية والبريطانية بنظام الحكم الايراني، بل وتتربع عناصرها …