أخبار عاجلة

1000 طلقة وزامل

اقليم تهامة ا ✍ ا مصلح الأحمدي

القول البليغ والكلمة الثائرة والعبارات الهادفة.. أسلحة قوية ومؤثرة، كانت – وماتزال- حاضرة في كل المعارك برجالها من (القناصين والرماة والمهاجمين)، وستظل كذلك.

 (اهجهم وروح القدس معك) تشريع صريح لتفعيل سلاح (الكلمة) في كل المعارك، لمن لا ينفع معهم إلا الهجاء (وملحقاته)، ومقارعة الحجة بالحجة وقوة المنطق بما يقابله – من الأهمية بمكان، فقد أمر الله بها نبيه فقال: (وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغا) وهكذا لكل مقام مقال، بل إن كل ما يرفع معنويات الجيش في المعركة مرحبٌ به وإن كان في سواها مكروها، ولهذا نجد الرسول ص عندما شاهد أبا دجانة وهو (يتبختر) قبيل اندلاع معركة أحد يقول: (إن هذه لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن)، وفي ذات الغزوة كلّف الرسول القائد عمر الفاروق بالرد على أبي سفيان عندما كان يردّد: يوم بيوم بدر، ألا إنّ الأيام دول وإن الحرب سجال ـ حتى لا يكون لشائعاته صدى ويترتب عليها أثر، فكان الرد كفيلٌ برفع المعنويات بعد تلك (الهزيمة): “قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار”، وكان أبو سفيان قد استقدم كوافر قريش للقيام بمهمة التحريض لجيش المشركين وقد صرخن:

إن تقبلوا نعانق * أو تدبروا نفارق * فراق غير وامق! في غزوة مؤتة كان لخطبة عبدالله بن أبي رواحة أثرها البارز في رفع معنويات الجيش لخوض المعركة، وقد قال لهم في أنفسهم قولاً بليغا: (إنّ الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون.. الشهادة) ويوم فتح مكة كان لنداء (من دخل بيته فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن) الأثر البارز في الإيحاء بأن ما سوى ذلك ليس آمنا أمام عشرة آلاف مقاتل قد أشعل كل مقاتل منهم  نارا لذات الهدف.

صيحة هلال بن علقمة في معركة القادسية (قتلت رستم.. قتلت رستم.. اليّ اليّ) لم يكن مجرد بلاغ واحاطة بل كان بمثابة المدد: عدداً وعدةً.

خرج الرسول الكريم على المهاجرين والأنصار وهم يحفرون الخندق وقد بلغ بهم النّصَب والجوع مبلغه، فقال:

اللهم إنّ العيش عيش اﻵخرة * فاغفر للأنصار والمهاجرة

فردّ عليه الصحابة الكرام:

نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما بقينا أبدا !

وفي عمرة القضاء أنشد ابن رواحة بين يدي الرسول ص :

خلوا بني الكفار عن سبيله * اليوم نضربكم على تنزيله * ضرباً يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله.

فقال عمر: يا ابن رواحة أبين يدي رسول الله وفي حرم الله تقول الشعر؟ فقال الرسول الكريم: (خلّ عنه فلهي أسرع فيهم من نضح النبل)!!

لا أعتقد أن مسلماً نسى أو لا يتأثر وهو يسمع (النشيد الإسلامي) الأول:

طلع البدر علينا * من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا * ما دعا لله داع

أيها المبعوث فينا * جئت بالأمر المطاع

جئت شرفت المدينة * مرحباً يا خير داع. فلم يختار الأنصار خطبة عصماء أو قصيدة مجرّدة، بل اختاروا هذا النشيد الآسر.

(إنّ من البيان لسحراً وإنّ من الشعر لحكمة)! ترد في بعض الأحيان أبياتٌ نوعية من الشعر، تتناقلها الأجيال وتأخذ ألباب أصحاب الفصاحة والبلاغة وتطير بصاحبها في الآفاق، فقد كسا الرسول الكريم الشاعر (كعب بن زهير ) بردته حين قال فيه:

إن الرسول لنورٌ يُستضاء به ** مهندٌ من سيوف الله مسلولُ! وقد يقول بعض الشعراء شعراً يكون سبباً في هلاكهم، فقد أهدر الرسول الكريم دم جاريتين كانتا تتغنيان بهجائه، وقطع هشام بن عبدالرحمن الداخل لسان شاعر الأندلس (أبي المخشي) وسمل عينيه لأنه عرّض به في قصيدة مدح بها أخاه بقوله:

وليس كمن إذا ما سُئل عرفاً ** يقلب مقلةً فيها اعورارُ، حيث كان في عينيه حول. وأمثلة ذلك كثير.

من خلال هذا الاستعراض الموجز يتضح لنا أثر الكلمة والقصيدة في السلم والحرب في الرد الموجع أو الهجاء المقذع أو المديح الآسر. وبالعودة إلى بيت القصيد في الموضوع، فلقد كان لأصحاب الأقلام الحرة، ذوي الضمائر الحية حضورهم البارز والمؤثر في المعركة ـ سواءً الكتّاب أو الشعراء أو المنشدين والفنانين أصحاب الحناجر الذهبية، الذين يرفعون من شأن القصيدة الشعرية بألحانهم المتميّزة وحماسهم المتّقد وأدائهم الثوري، الذين يواكبون المعارك ويغطّون الأحداث ويُشهِرون الانتصارات بأعمالهم الفنية الرائعة التي تضم المقطوعة الغنائية واللحن الآسر والإيقاع المتناغم مع الحدث والمناسبة، كانوا ـ وما يزالون ـ جنباً إلى جنب الأبطال الميامين في كل المواقع والجبهات بأعمالهم الفنية الثورية: شعراً ولحناً وايقاعاً، وسيظلون كذلك.

إنّ هذا الجهد وهذا العطاء الفكري من الأهمية بمكان لإسناد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، ولا أدل على ذلك من اهتمام رفاق السلاح بهذه الزوامل الثائرة وحفظها في ذاكرتهم الوجدانية وذواكرهم الإلكترونية وترديدها عند كل بطولة ومع كل انتصار، بل أصبح لبعض هذه الزوامل ذكرياتها البطولية وارتباطها بيوميات الحرب وتفاصيل المعارك، وبعضها ذو صلة بنعي شهيد أو مواساة أسير أو تضميد جراح، وحينها يُقسم رفاقهم على الانتصار لهم وإنفاذ وصاياهم. لقد أدرك سيد الكهف عبده الحوثي خطورة (سلاح الكلمة) فحرض على الإعلاميين – كونهم من ينشرون على أوسع نطاق – فقال إنهم أخطر من المقاتلين.

ختاماً نقول: أيها الكتاب والشعراء والمنشدين.. المزيد .. المزيد، فجهودكم أسرع في الانقلابيين من نضح الرصاص.

شاهد أيضاً

اصلاح المحويت ينعي القيادي والمربي الاستاذ / محمد عثمان الداعري

اقليم تهامة ـ خاص نعي التجمع اليمني للإصلاح بمحافظة المحويت الأستاذ/ محمد عثمان الداعري أحد …